يراقبوا جميع الناس من ورائها. وعلى الإنسان أن يعيش وهو موقن أن أي صوت يخرجه أو حركة يأتيها ستكشفها الشرطة ما في ذلك ريب.
ويذكر المؤلف أن العالم قد أنقسم بعد الثورات والانقلابات الخطيرة التي حدثت في الربع الثالث من القرن العشرين إلى ثلاث قارات كبيرة وهي: - أوربة الأسيوية، وآسية الشرقية وأوسيانيا. وقد كانت الحرب بينها سجالاً، فما كانت تنتهي يوما إلا لتندلع نارها من جديد.
وعلى بعد كيلومتر كانت تبين أمام سميث العمارة الشاهقة التي تشغلها وزارة الصدق حيث مكان عمله. وتشغل هذه الوزارة عمارة ضخمة على شكل الأهرام، وقد كتبت على جوانبها المبادئ الثلاثة لحزب الأخ الكبير، وهي تنص على ما يلي: - الحرب سلم، والحرية عبودية، والجهل قوة. وفي هذه المبادئ تتلخص فلسفة الأخ الكبير ونظرته السقيمة إلى الحياة. فلقد كان يعتقد، ويعتقد معه حزبه، أن الحرب إحدى السبل الطبيعية للحياة، ولذا كان أحسن حالاً من السلم. ويرى الحرية عبودية لأن حرية الإنسان تضطره إلى الاهتمام بشؤونه الخاصة وهذه هي العبودية عينها؛ ويرى في الجهل قوة، لأن الإنسان إذا تعلم كثيرا ضعفت قواه الجسمية والعقلية. وتضم وزارة الصدق ثلاثة آلاف غرفة علوية، ومثلها سفلية، وليس في لندن كلها سوى ثلاث عمارات تضاهيها شكلاً ومنظراً. وفي هذه البنايات الأربع تتركز جميع أجهزة الحكومة وهي: - وزارة الصدق التي تهتم بالأخبار والعلوم والفنون وإذاعة البرامج على التلسكرين؛ ووزارة السلم وهي التي تعني بالشؤون الحربية؛ ووزارة الحب وهي التي تسن الأنظمة والقوانين، وتبث التلسكرينات في كل بيت، وتحرم على الناس الحب وتحتم عليهم أن يستغلوا جميع عواطفهم لمصالح الدولة؛ ثم وزارة الكثرة وهي التي تعني بالشؤون الاقتصادية.
وتوجه ونستون إلى بيته، وانتحى ناحية منه، ثم تناول دفتراً ذا غلاف أحمر وعزم على تدوين مذكراته. وأما الدفتر المذكور فيدل منظره على أن له من العمر أربعين عاماً، ولقد وقع عليه بصره في أحد الحوانيت في بلدة تسكنها (الطبقة الكادحة) التي كان محظوراً على المنتمين لحزب الأخ الكبير أن يختلطوا بها أو يدخلوا حوانيتها. وقد استولت على بونستون رغبة عنيفة جارفة لشراء الدفتر، ففعل ولكن بعد أن أخذ الحيطة اللازمة لئلا يكشف أمره وإلا كان عقابه الموت أو السجن في معتقلات الأعمال الشاقة ٢٥ عاماً على