وشرع ونستون يدون مذكراته بحروف غامضة، ولكنه سرعان ما أنقطع عن ذلك عندما راوده الفكر أن شيئاً أهم من كل ما دونه قد حدث في الوزارة صباح ذلك اليوم. فقد انبعث من التلسكرين الجاثم في إحدى الزوايا بقاعة الوزارة ضجة صاخبة تعلن ابتداء برنامج البغض ومدته دقيقتان. فظهرت على شاشة التلسكرين صوره وجه عمانوئيل جولد شتاين، عدو الشعب المارق الذي كان فيما مضى أحد زعماء الحكومة البارزين ولكنه أنغمس في أعمال عدوانية ضد الدولة فحكم عليه من جرائها بالإعدام. ولقد كان هذا البرنامج يتنوع يوماً بعد يوم، ولكن جولد شتاين هو هو بطله في كل الأوقات، فإليه تنسب جميع الخيانات والمؤامرات. فيشاهد على الشاشة وهو مندفع في إلقاء خطاب عنيف موجه للأخ الكبير مندداً بدكتاتوريته ومحقراً شخصيته. وما إن توشك الدقيقتان على الانتهاء حتى تثور ثائرة الجمهور الذي يحاول إسكات ذلك الهذر الجنوني الصادر عن التلسكرين، وتخالط نفسيته موجة من الذعر والانتقام والتعطش إلى القتل والتعذيب، ويتحول كل شخص مجنوناً ثائراً يملأ المكان عويلاً وصراخاً. ولكن الأخ الكبير لا تطول عليهم غيبته، فإذا به يظهر على الشاشة وينظر إليهم نظرات يهدئ بها ثائرتهم ويعيد الثقة والطمأنينة إلى نفوسهم.
تذكر ونستون كل هذا ثم عاد إلى مذكراته يراجعها، فألقى نفسه قد كتب وسط ذلك البحران والتفكير الشارد جملة واحدة بخط كبير مرات ومرات (ليسقط الأخ الكبير!).
وتستبد به رعدة من الذعر لأن كتابة هذه الكلمات أو مجرد التفكير بها لهو إجرامي، وجريمة الفكر ليست من الأمور التي يطول كتمانها إذ لا تلبث أن تكشف يوماً ما، فما يشعر مقترفها إلا وقد امتدت إليه في ساعة من ساعات الظلمة الحالكة يد قاسية عاتية تهز كتفيه بعنف وشدة، وتسومه من العذاب ألوانا ثم تسوقه إلى الإعدام. ولقد كان التجسس أمراً شائعاً، فالأولاد الصغار يتجسسون على آبائهم وأمهاتهم ويراقبونهم مراقبة شديدة؛ وكثيراً ما يشكونهم لشرطة الأفكار، وكانت الجرائد تروي الكثير من نوادرهم بعد أن تشيد ببطولتهم وإخلاصهم، وتلقبهم حين تتحدث عنهم (بالصبية الأبطال) وانبعث من التلسكرين صوت صفارة يصم الآذان، يعلن وقت النهوض لموظفي المكاتب. وينهض ونستون ويقف أمام التلسكرين ليقوم بالتمرينات الرياضية الإجبارية التي تذيعها الوزارة ولا مفر من القيام بها