للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على أحسن وجه.

أما مكتب عمله فقد كان كغيره من المكاتب مجهزاً بجميع ما يحتاج إليه. فأمامه الآلة المسجلة للكلام وبجانبه شقوق في الحائط ترمي فيها الأوراق المعدة للإتلاف فتحمل آلياً إلى مواقد كبيرة تلتهمها فيها ألسنة النيران وتأتي عليها. وإذا ما احتاج إلى بعض السجلات الرسمية فما عليه إلا أن يدير أرقاماً في قرص أمامه، فيأتيه طلبه في أسرع من طرفة عين. وقد كان العمل الأساسي لدائرته أن تنقح جميع الجرائد والكتب والنشرات والإعلانات والأفلام والصور وما إليها من السجلات بحيث تظل دائماً ملائمة لمقاصد الحكومة ودعايتها، فتحفظ في الملفات.

وأما النسخ الأصلية القديمة فيحكم عليها بالإتلاف. ودائرة السجلات هذه أحد فروع وزارة الصدق التي من شأنها أن تعيد بناء الماضي وتزود سكان أوسيانيا بالمجلات والكتب والأفلام والبرامج وما إليها، وتقدم لأعضاء الحزب جميع حاجاتهم على اختلاف أنواعها.

وأما الجماهير المؤلفة من الطبقة الكادحة التي تكون ٨٥ في المائة من مجموع سكان أوسيانيا، فلم تكن خاضعة في الكثير من مظاهر حياتها لدعاية الحزب، لأن الحزب لم ير ضرورة لذلك بعد أن كان يجعلهم يرجون أكثر أوقاتهم في الأشغال التي لا تبقي لديهم من الوقت ما يسمح لهم بالتحفز ضد الحكومة. كما أن الدوائر المختصة بها كانت تكيف عقليتها على النحو الذي تشاؤه فلا تقدم لها من الأدب والموسيقى واللهو والتمثيل إلا بضاعة رخيصة عثة لا تتعدى إثارة العواطف الجنسية والأفكار المنحطة، بحيث لا تفسح لها المجال في التفكير الراقي في ما يختص بتحسين الحياة وطرق العيش.

ويلتقي ونستون بصديقه سايم في أحد الحوانيت النموذجية التي يتناول فيها أفراد الحزب وجبات طعامهم، وهنا يستفيض الحديث فيتطرق سايم إلى الكلام على المعجم الذي يؤلفه في اللسان الحديث - وهو اللغة المنتشرة في أوسيانيا -، فيقول: - لقد شرعنا نلغي مئات الكلمات القديمة كل يوم لأن الغاية من اللسان الحديث تضييق آفاق الفكر بحيث تجعل جريمة الفكر أمراً مستحيلاً، وذلك بإعدام ما يعبر عنها من المفردات. . . وينصت ونستون إلى التلسكرين وهو يتلو رسالة من وزارة الكثرة تتحدث عن زيادة الإنتاج هذا العام عن العام السابق زيادة في الطعام والملابس والمنازل والأثاث وغيرها. ولكنه يستغرب كل هذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>