الخارج ليحاول أن يجد له طريقاً إلى الداخل وقد يصل إلى السريرة أو لا يصل.
ومن ثم كان إصلاح العبقري أشبه بالطفرة المفاجئة، وإصلاح غيره أشبه بالدبيب الهادئ الوئيد، وكأن المجتمع يخلق حيث نبغ العبقري خلقاً جديداً، وكأنه على يد غيره يرمم ويقوم بعدة عمليات جراحية خفيفة بطيئة على التوالي طالما هو يحيا، وطالما بنيته محتاجة إلى هذه العمليات، وقادرة على تحملها، ثم يكتب له السلامة من أخطارها.
العبقري دائما صاحب رسالة، وعمله تبليغها إلى الناس، وهو لا يبلغها حتى يكون مثلاً حياً مجسداً، وحتى يكون مثلاً مغرياً ليحمل الناس على التأسي به فيها، وهو لن يغري الناس بتقليده والإيمان به حتى تكون شخصيته محببة جذابة، وسيرته رضية وممثلة لرسالته، فيجبرهم بجمال شخصيته وسيرته على الإعجاب به والاطمئنان إليه، ثم التسليم برسالته؛ ولن يتاح ذلك ضرورة إلا بأن يصحبهم ويصحبوه.
فالصلة الشخصية بين العبقري ومن حوله هو الموصل الجيد السريع الذي تنتقل خلاله شخصيته بكل ما حفلت، ومبادئه كأبسط وأظهر ما تكون في تسربها من سريرته إلى سرائرهم، ولا صلة غير الصلة الشخصية التي تتهيأ فيها الألفة ويتجمع الشتات وتعرض الأمور بسيطة بارزة قادرة على نقل صورته ومبادئه - منه إليهم، وبغيرها يتعذر أو يتعسر التأثير.
وهم لا ينتظرون منه آية على صدق رسالته وكرمها - سواء وعوا ذلك أم لم يعوه - إلا أن يكون هو مثلاً محببا إلى نفوسهم في تصويرها وتوضيحها لهم، ولا آية تقنع المستعدين للإقناع بصدق رسالته وكرمها إلا تجسدها فاتنة محببة لهم في شخصه وسيرته.
وعلى هذا النحو الذي انتقلت به الرسالة من سريرته إلى سرائر أصحابه تنتقل من سرائرهم إلى سرائر من وراءهم في الزمان والمكان، وبأشخاصهم وسيرتهم الممثلة لهذه الرسالة كما تظهر خلال صلاتهم الشخصية المباشرة بالناس يستحوذون على إعجابهم وثقتهم وإيمانهم، فالعملة التي يتعامل بها الناس في حياتهم هي الأشخاص والأعمال الصالحة المنظورة التي تمثل المبادئ والأفكار الصالحة في صورة حسية جذابة، وليست هي المبادئ والأفكار المجردة مهما تكن صالحة، ومن هنا تظهر خطورة الصحبة التي تتسلط فيها شخصية على شخصية، ولا سيما الشخصية العبقرية التي هي بحكم طبيعتها