قمة الانسيابية في قصة (دهب بنت عبد الباسط) وقد يكون حكمي عليها مشوباً بمشاركة الوجدانية في حادثتها التي تتكرر أمام أعيننا كثيراً في صورة هؤلاء البنات الصغيرات اللائي يجلبن من القرى للخدمة في البيوت بالمدن، ففي القصة بنات ينتزعهن أبوهن أطفالاً من حضن أمهن ليوزعن على سادته من (البكوات) كما توزع أجراء الكلبة على الأصدقاء والمعارف. ويبدو لي أن الكاتب حريص على أن يصور حياة كاملة أو جزءاً كاملاً من
وافتعال الخواتم هذا، لا يتفق مع الواقعية التي يسير الأستاذ الخميسي على منهجها الواضح، والواقعية هي أظهر خصائص هذه القصص، وهي واقعية يضيف إليها الكاتب من ذاته ما يرفعها عن مجرد الملاحظة والتدوين، فهي واقعية قيمة تستحق الغيرة عليها مما يمسها، وقد رأيت هذا المساس - فيما عدا تلك الخواتم - في بعض القصص، ففي قصة (رسالة المنتحرة) طالبة في الجامعة يسكن أهلها (زقاقاً) قذراً في القاهرة، وأبوها وأخوها من العمال، ولم يوضح لنا الظروف التي جعلتها المتعلمة الجامعية الوحيدة في هذه البيئة الجاهلة التي تؤثر تعليم البنين على البنات، وقد علمنا أن أخاها عاملاً فظاً غليظ الكف، فكيف وصلت هي إلى الجامعة وقعد أخوها يرفع في جهله (بالزقاق)؟ وفي هذه القصة تصوير رائعاً لأخلاق النسوة في هذه البيئة.
وفي قصة (آه يا أسمر اللون) يرافق البطل المغنية بعد انتهاء الحفلة إلى المنزل الذي تنام فيه. وقد رأيناه في الحفلة مرتبطاً بجماعة من رفاقه، فكيف تركوه يذهب معها؟ ومن حيث أن الحادثة في قرية كيف يحدث ذلك دون أن يلفت الأنظار؟ ويشبه هذا موقفه في قصة (الموتى يتحكمون في الأحياء) من الفتاة القروية التي منحها البطل جنيهاً لتأتي إليه طائعة، ويحبها وتحبه ويفكر في زواجها، ليس هذا التصوير وما لابسه مما يتفق مع طبائع القرويين، وفي هذه القصة يخبر أبو البطل بأمور غيبية. ولم يفسر الكاتب هذا أي تفسير بل جعلها (كرامات) مسلمة! وأمعن في ذلك فجعل البطل المتعلم يتقيد بها!
وفي ختام قصة (من يوميات الرجل الذئب) يقول إنه وجد هذه اليوميات في كراسة تحتوي اعترافات الرجل الذئب، وثم يقول بعد ذلك مباشرة أن بطل اليوميات إنسان عرفه واستخلص نموذجه النفسي، وليس من أحكام السبك أن يجمع هذين الأمرين: العثور على الاعترافات في كراسة، واستخلاص النموذج النفسي الذي لا يكون إلا بكتابة هذه