الألم. وإذا نحن نخرج من ذلك بقصة حيات الكاتب نفسه، وطريقته في كتابة القصة، التي تتمثل في كلمتين (التجريد) و (الاندماج) وهي طريقة كل فنان مخلص يصدر عن طبع أصيل.
وشخصية الأستاذ عبد الحمن تظهر في هذه القصص، كما أجملها ولا في (قصة المقدمة أعني بذلك ظهور حياته الشخصية في الحديث عن أبطال القصة، فهذا وإن كان موجودا في بعض القصص إلا أن الأهم منه هو نظرته إلى الأمور وإلى الأشخاص وطريقة انفعاله وتفكيره وتصويره. هو كاتب يستمد وجدانا أنضجته نيران الألم التي تحو في القصص إلى نور يشع فيها هادئا في قلق، ترى هدوءه في التحليل، وقلقة في مشاركة الأبطال آلامهم، تلك المشاركة التي تعدي القارئ فتنقله إلى الجو، وهو في قصصه، عرفناه في حياته، دقيق الإحساس مستوفر الشعور ومع ذلك له قدرة على ضبط احساساته ومشاعره وتوجيهها، فهو فوار وهادى. . ولذلك تراه يسيطر على جو القصة منسابا إلى الدخائل والدقائق حتى يبلغ بك ما يريد وينقل إليك انفعاله دون حماس أو جلبة، وإذا أنت قد وصلت معه في طريق لا غبار فيه ولا ترام ولا سيارات. . .
والمؤلف يتخذ موضوعاته وأشخاصه من واقع الحياة التي اضطرب فيها، ويستطيع من يعرفه في الحياة أن يلمح شخصيته في بعض القصص كقصة (آه يا اسمر اللون) حياة في القصة، ويدفعه ذلك أحيانا إلى افتعال الخواتم التي تفسد العرض الجميل، فقد جعل (دهب) تحلم حلماً تتحرك فيه وتصعد إلى حاجز الشرفة لينهي القصة بسقوطها مهشمة في الطريق. . . وكذلك فعل في قصة (الأبله يحب) إذ جعل البطل يندفع إلى الشرفة ويسقط منها إلى الأرض كأنه حصان يقفز فوق الحواجز في سباق.
وأنا أراه في هذه القصص التي يمتد فيها ظله يعطف على نفسه بعض الشيء، وأراه أكثر صدقاً في غير ذلك، لقدرته على الاندماج، ففيه طبيعة الممثل التي اتخذت الكتابة أداة للتعبير، ويبلغ اندماجه أقصاه وأروعه في قصتي (دهب بنت عبد الباسط) و (الحنة يا الحنة) فقد أتبع فيهما طريقة المناجاة أو حديث النفس، فجعلنا نسمع كلا من (دهب) و (حسنية) تفكر في صوت مسموع يروي لنا ما يقع لها، وهاتان القصتان من قصص المجموعة التي تبين اتجاه الكاتب إلى (القطع) الآدمية المهدرة في حياتنا الواقعة، وقد بلغ