للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ومن أجل التفاهم يعني المنطقي بالفكر من حيث الكيفية، أما اللغوي فيعني به من حيث الكمية. وإذا كانت اللغة أداة التعبير، فإن المنطق أداة التفكير، ولا بد للتعبير من الاستناد إلى التفكير.

واللغوي يعمل عالة على المنطقي، وينشط على حساب اكتشافاته وإلا لم يكن ثمت داع لإنشاء المجامع اللغوية، والمؤتمرات الدولية للإنفاق على المصطلحات العلمية والفنية المستحدثة في ضروب العلم والعرفان.

الفكر شرط اللغة، لأن لغة من غير فكر صراخ وعويل، والجملة هي وحدة اللغة، هكذا يرى , ' واللغة شرط في الفكر لأن الفكر كلام صامت في الباطن؛ هكذا يرى (لويس دي بونالد) إذ يقول (إن الإنسان يفكر كلامه قبل أن يتكلم فكره)

ونعترض عليه بأمرين:

١ - لا حاجة إلى اللغة في التذكر والتصور والتخيل للمعاني.

٢ - قد توجد معان ذهنية لا ألفاظ لها في الوجود كالغول والعنقاء والخل الوفي، والأقمار والشموس مجموعة.

فإذا استغنى الفكر عن اللغة أحياناً فهو غالباً ما يحتاج إليها بحيث يصح قول (دي بونالد) من أن الفكر كلام باطني، وكل تفكير هادئ هو حديث النفس تتابع فيه الجمل بألفاظ أصواتها خافتة. فاللغة شرط للفكر الواضح الجلي، وإلى هذه الفكرة سبق الأخطل إذ يقول:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلا

ويتمثل العقل الإنساني في المنهج العربي القائل (العاقل من يجعل لسانه وراء عقله، والأحمق من يجعل عقله وراء لسانه).

ولا شك في أن المعرفة سعة وإحاطة وإلمام بأمور الكون، والبحث عن أوسع العوالم المعانية، وذلك هدف الفكر، واللفظ عامل مساعد في تنمية المعرفة من حيث الدراسة اللفظية: بكثرة تحصيل الألفاظ، ودراسة مشتقاتها ومصادرها الفيلولوجية وأصولها وجذورها مما يزيدنا خبرة، وعرفة، فالقواميس والمعاجم ذخيرة حافلة بالمعرفة. ولكن لا يخفى أن المعرفة الآتية عن طريق الفكر تحتاج إلى العرف لتعميمها، ولا تحتاجه من حيث قصرها على صاحبها، ولكن المعرفة مشاركة وتبادل فهي تشترط اللغة. أما المعرفة الآتية

<<  <  ج:
ص:  >  >>