للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ينتهي اللغوي من بحوثه في الألفاظ إلى ضوابط عامة لها، إذا لم تراع سمى لحناً، والمرجع فيه إلى العرف، أما المنطقي فإنه ينتهي إلى قوانين أساسية عامة مطلقة غير استثنائية إذا لم تراع سمى الخطأ فيها إحالة أو تناقضاً بمعنى عام، والمرجع فيه إلى العقل وحده. قوانين الفكر مطلقة عامة لكل الناس، أما قوانين اللغة فهي نسبية تخضع لظروفها وتتأثر بها مضطرة راغمة.

خامساً: من حيث التدخل:

اللغة تتدخل في شؤون المنطق لترتب له معداته الأولى وهي (التصورات) وعند ذلك تنتهي مهمتها ولا تزيد. والمنطق له الحق في الإشراف على اللغة ليحقق لها أغراضها الأساسية. ولذلك فنحن نستطيع أن نفهم معنى واضحاً من لغة لا نحو لها، ولكن لغة لا منطق لها تعود صراخاً وضوضاء. فحاجة اللغوي إلى المنطق أشد وأنفع من حاجة المنطقي إلى اللغة. تكلم ما استطعت من لغات، ولكن المنطق فيها جميعاً واحد هو هو المنطق، ففي مجتمعات ما قبل المنطق ' يجوز أن يكون الشيء كذا ولا كذا في آن واحد، وليس كذلك الحال في أي لغة متحضرة ذات منطق كريم.

يقول متى بن يونس القنائي المنطقي لأبي سعيد السيرافي النحوي وهو يحاوره (لا حاجة بالمنطقي إلى النحو، وبالنحوي حاجة إلى المنطق، لأن المنطقي يبحث عن المعنى، والنحو يبحث عن اللفظ؛ فإن مر المنطقي باللفظ فبالعرض. وإن مر النحوي بالمعنى فبالعرض، والمعنى أشرف من اللفظ، واللفظ أوضع من المعنى).

والمنطق أحياناً يضرب بالقاعدة النحوية عرض الحائط، فإذ يفرق النحوي بين الظرف الذي لما يستقبل من الزمان، وبين حرف الامتناع لامتناع، وبين حرف الامتناع لوجود، وبين حرف الشرط الجازم. نرى المنطقي يعتبر: إن وإذا ولو ولولا، ولو ما كلها أداة شرط وحسبه هذا.

وأحياناً يقول النحوي إن الخبر يطابق المبتدأ إفراداً وتثنية وجمعاً وجنساً، ولكن المنطقي لا يحد من نطاق الحمل، ولا يقيده كالنحوي، فالمنطقي يقول: العالم عالمان، ومصر فخر الجيل، والولد فلذة أبيه. فالمبتدأ والخبر عند اللغوي اسمان، أو أحدهما أو كلاهما جملة في محل المبتدأ أو الخبر، ولكن الموضوع والمحمول عند المنطقي حدان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>