للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والذي لم يخرج عن كونه الاجتهاد الذي نحن بصدده.

ويعترف الحديث الاجتهاد كأصل من أصول الدين عند افتقاد النص على الحكم في الكتاب أو السنة؛ فقد حدث لما أرسل رسول الله (ص) معاذ بن جبل إلى اليمن أن قال له: بم تحكم فيهم؟ فقال بكتاب الله، فقال فإن لم تجد؟ قال بسنة رسوله. فقال: فإن لم تجد؟ قال أجتهد برأيي. فقال النبي أصبت يا معاذ) ويدل هذا الحديث على أن النبي (ص) قد أقر مبدأ الاجتهاد، وأن الصحابة كانوا يعرفون عنه ذلك، وان هذا المبدأ كان يطبق عند الحاجة إليه لضرورة في حياة الرسول.

ومن الخطأ أن نعتقد أن الاجتهاد في الرأي إنما ظهر مع ظهور الأئمة الأربعة المعترف بهم في العالم الإسلامي، فالاجتهاد قد ظهر في عهد الرسول إذ كان من العسير الرجوع إليه في كل أمر من الأمور. ثم ازداد ظهوراً وانتشاراً بأتساع الأرض الإسلامية وزيادة عدد المسلمين مع ما لازم ذلك من الاحتياج إلى التوسع في الأحكام الخاصة بأمور دينهم ودنياهم. كما أن الخلفاء وأمراء المؤمنين لم يحتفظوا بالسلطة كلها في أيديهم فقد كانت لهم مجالس للحكم في أمهات المسائل وكانت تؤخذ الآراء وتصدر الأحكام بأغلبية الأصوات ويقرها الخلفاء ويقبلها الرأي العالم الإسلامي وفي ذلك قال السيوطي في كتابة (تاريخ الخلفاء) عن أبي بكر نقلاً عن أبي قاسم اللغوي عن ميمون بن مهران.

كان أبو بكر يرجع إلى كتاب الله في كل مسألة تعرض عليه ويحكم بما جاء به، فإن لم يجد كان يرجع إلى السنة ويحكم بما جاء بها، فإن لم يجد كان يجمع المسلمين ويسألهم عله يجد من بينهم من يذكر أنه سمع رسول الله في مسألة مماثلة فكان كل واحد منهم يقول ما سمعه عن الرسول. ويقول أبو بكر الحمد لله الذي أوجد بيننا من يذكر كلام الرسول فإن لم يجد في السنة جواباً للمسألة كان يجمع علية القوم في مجلس ويستشيرهم فإذا ما اتفقوا على رأي بأغلبية الأصوات أقره وأمر باتباعه.

وواضح أن هذا المجلس لم يكن مجلساً تشريعياً بالمعنى الحديث إلا أنه يحمل معناه وطريقته فقد كان يتخذ قرارات في كل المسائل الهامة، وكان يضع القوانين عند الضرورة، وكان المرجع الأعلى في كل المسائل الدينية والزمنية وظل الحال كذلك في عهد عمر ين الخطاب الذي كان يرجع إلى الصحابة المشهود لهم بالعلم والمعرفة فيمدونه بآرائهم فيما

<<  <  ج:
ص:  >  >>