للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يعرضه عليهم من المسائل فإذا اختلفت آراؤهم في أمر من الأمور اخذ برأي أغلبيته. وإلى جانب هذا المجلس كان يوجد نخبة من العلماء الإجلاء اللامعة آراؤهم أمثال السيدة عائشة وابن عباس وابن عمر وغيرهم من مجتهدي ذلك العصر وكان الخليفة يعتمد على هذه الآراء ويأمر بالعمل بها على شريطة أن لا تكون مخالفة للقرآن أو للسنة. وقد قدر قضاة الشريعة اللاحقون آراء أسلافهم وحكموا بها بما لم يخالف كتاب الله وسنة رسوله.

وقد ظهر في القرن الثاني للهجرة أئمة وضعوا من القوانين ما يلائم حاجات الناس في ذلك الوقت وعلى رأس هؤلاء الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت المولود بالبصرة عام ٨٠هـ (٦٩٩م) وهو من أصل فارسي ويتبع مذهبه كثرة من مسلمي العالم. وكان مركز نشاطه بالكوفة وتوفي عام ١٥٠هـ (٧١٧م) وكان القرآن رائدة في الأحكام وأساس قياسه. ولم يأخذ من الحديث إلا ما كان مقتنعاً تمام الاقتناع بأنه صحيح وكان ذلك الوقت لم يكن قد بدء العمل في جمع الحديث ونقده وتدوينه، ولم تكن الكوفة بالمركز الثقافي الهام لدراسة الحديث فكان من الطبيعي أن يكون اجتهاد أبي حنيفة قاصراً على قرآن ولم يأخذ من الحديث إلا النذر اليسير. ولما تم جمع الحديث وتدوينه وأصبح في متناول المسلمين أدخل أتباع أبي حنيفة على مذهبه كثيراً من الأحكام المأخوذة من الحديث، وأشهر هؤلاء الإمام محمد والإمام أبو يوسف ولآرائهما المكانة الأولى في المذهب.

وكان أبو حنيفة مستقل الفكر لا يعمل إلا بوحي ضميره. ولقد آثر في أواخر أيامه السجن والجلد على السير في ركاب الحكومة مخافة أن يؤثر ذلك على استقلال فكرة وحرية ضميره - كما أبى أن يلي القضاء وقد جلد أحد عشر يوماً متتابعة في كل يوم عشر جلدات على أن يلين فأبى إلا حرية الفكر - ومذهب أبو حنيفة أول المذاهب المعروفة وأوسعها انتشاراً ويدين به أغلب المسلمين. وإن آراءه وأحكامه يصح أن تكون دعامة لصرح تشريعي متين ينتفع به العالم الإسلامي لو أن المسلمين في مختلف العصور نهجوا نهجه وسلكوا سبيله في الاجتهاد والتشريع. وكان أبو حنيفة أول من أشاد بفضل القياس في الأحكام ووضع للأمة مبدأ الاستحسان والاستصلاح فاستطاع به وضع أحكام جديدة موافقة للعدالة لمواجهة حاجات الناس المتزايدة وبذلك أمكن استبعاد كل حكم بعيد عن العدالة غير ملائم للبيئة والجماعة. وهو أول من أقر الأخذ بالعرف والعادة. وكان في كل ذلك كما قدمنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>