يعوض على نجيب زوجه التي فقد بفقدها نضارة عيشه، وبهجة حياته، وأنس أليفه، وأم ولديه. .؟ إنه ما يزال يذكر ذلك الحديث القصير بينه وبين كريمته غداة حملوا أمها إلى حيث لا تراها، فتسأله:
- أبي، أين أمي؟
- أمك عند أبيها يا كريمة.
- لقد كنت أظنها عند الطبيب، وأين أبوها؟ إنني لا أعرف بيته
- أبوها هناك. في مكان بعيد لا تعرفينه ولا أريد أن تعرفيه.
- ولماذا لم تأخذني معها، لقد غابت كثيراً فمتى تعود؟!
وأخفى الرجل دمعة تنحدر على خده، وأطبق فمه أن تفلت منه زفرة محبوسة؛ وقام يستحث الخادم على إعداد الطعام. . لقد ترك هذا الحديث في نفس نجيب أثراً عميقاً كان عسيراً عليه أن ينساه، وكان أليماً أن يذكره؛ وكلما أحس أن ابنته توشك أن تعود إلى مثله أسرع يقص عليها حكاية مسلية، أو يروي نادرة مضحكة ليصرفها عن الحديث. .
وأنس الصغيران إلى أبيهما، ومرت يد الزمن رفيقة على رأسيهما فمحت منهما تلك الذكريات عن صاحبة الوجه الجميل التي كانا يدعوانها أمهما إلى قريب. ولكن هذا الزمن لم يستطع بأيامه ولياليه أن يمحو هذه الذكريات وذكريات أخرى عزيزة كان يحتفظ بها نجيب أثراً من ماضيه السعيد.
وكلما مرت الأيام أحس نجيب بالوحشة والفراغ من حوله، وعاد يستذكر الماضي بما فيه، ويقلب حوله عيناً حزينة لا تقع على أثر من آثار ذلك إلا عادت ملأى بالدموع. ومضت خمس سنين وهو يعيش في هذا البيت عزباً يرعى ولديه، ويقوم بأمرهما قيام الأم والأب، تعاونه خادم صغيرة على إعداد الطعام وتنظيف البيت وقضاء حاجات الصغيرين. .
وأتمت كريمة دراستها الأولية والتحقت بمدرسة ابتدائية قريبة من الحي، وأخوها يتأهب لأن يفارق معلم (الكتّاب) وعصاه إلى المدرسة، ونجيب ما يزال على عهده يشعر بالضيق من وحدته، ويتمنى لو يستطيع أن يظفر بزوج تعمر هذه الدار الموحشة، وتعيد إليها بهجة فقدتها منذ عهد طويل، بل تشرق بابتسامتها في وجهه العابث، وتمهد بيدها الناعمة فراشه الخشن، ولكنه. . . ولكنه يحب ولديه ويريد أن يؤثرهما بهذا الحب، وهو يرى أنه ليس