للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في الوجود إلا أم واحدة لكل مخلوق وأب واحد وقد ماتت أمهما! وأنه ليخشى أن يفقدا في سبيل البحث لهما عن أم ثانية - أباهما الواحد؛ يخشى أن تستأثر به زوجه فلا يكون لهما أب ولا أم!

وتعرّف إلى صديق جديد، هو زميله في الديوان، وتوثقت عُرى الودّ بينهما فاطمأن كل منهما إلى صاحبه، وتعاهدا على الوفاء فكانا روحاً في جسدين، واتحدا عاطفة وإحساساً فصارا - كالشخص وخياله - يبتسمان ويقطبان في مرآة.

وعرف (إبراهيم) من حال صاحبه ما نعرف فنصح له أن يتزوج، وعرض عليه أخته زوجاً له وأماً لولديه. . . ومضى شهران زفّت بعدهما (زينب) إلى نجيب، فرأى من أدبها وإشراق طلعتها وحسن معاملتها لولديه - ما أعاد إليه بهجة الشباب. وكأنما تناول القدر مقصاً قطع به ذلك الجزء الباقي من صور الماضي القريب ليصل عهدين كلاهما له من السرور رونق ورواء.

وعاد إليه أنسه، واطمأنت نفسه، واستروح نسيم السعادة وتفيأ ظل الاستقرار، ومضت أشهر.

وقالت له زوجه: (البيت مدرسة الفتاة، فهلا احتجزنا كريمة عن مدرستها تعرف من شئون البيت ما عرفت من فنون العلم، وتجيد في الطهي ورفو الثياب ما تجيد من القراءة ومداعبة القلم؟)

وتريث نجيب قليلاً ثم سمع لكلام زوجه، وبقيت كريمة من اليوم التالي في البيت تستمع إلى دروس جديدة من فن تدبير المنزل، وعرفت كيف تدير الملعقة في القدر، وكيف تقشر البصل وكيف تغسل الأطباق وترتبها على المائدة في نظام جميل. وكانت تفرح حين تكلفها (أمها) إعداد شئ، أو تطلب إليها مرافقة الخادم إلى السوق لقضاء حاجة، ولم يكن يسوءها شئ أكثر مما تسوءها سرعة اتساخ ملابسها الزاهية؛ لأنها كانت تغسلها بنفسها. . وخرجت الخادم مرة فلم تعد؛ لأن زينب طردتها. وقالت لزوجها:

- إن هؤلاء الخادمات لا يحسنّ القيام بشيء غير طلب الأجر، وأكثرهن لا يعرف الأمانة ولا يشكر النعمة؛ فلا تتعجل في اختيار أخرى قد تكون شراً من سابقتها، وسأبحث على مهل عن خادم أمينة لا تضايقنا ما كانت تضايقنا تلك الفتاة الملعونة. . . وأسند عمل الخادم

<<  <  ج:
ص:  >  >>