للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(الجزر)! قلت: الله أكبر!، هذا هو النبوغ العبقري لو كان يجد من يقدره، فزفر وقال: آه يا كامل:

لو كان خالي الهلالي ... أو طاهة بن حسين

ما (شخلعتني) الليالي ... وشفت ظهر المجن!

وتضاحكنا، وخبط الأرض برجله مرتين، وأصغينا إلى المذياع، فإذا عبد الوهاب يغني:

أما رأيت حبيبي ... في حسنة كالغزال

يطوف بالحب قلبي ... فراشة لا تبالي!

فطرب الشيخ محمود وكان طروباً وأخذ ينشد ويمطط، ويتأوه ويهز عطفه راقصاً، ويعارض في الأصوات كما يعارض بالأبيات ويقول:

بلى رأيت حبيبي=في (تخنة) كالشوال

إن قلت (ولعت) قلبي ... يقول لي: (ونا مالي)!

ومضت أعوام ثلاثة لم ألق فيها وجهه الكريم، وعدت إلى البلد بعدها، فلم يخف للقائي، ولم يستبشر بوجودي، ولم يعبأ بما كنت أخفض له من جانبي، وكأنه زهد فيما كنت أفيضه عليه من ثناء وأتحفه به من إقبال، وأكرمه به من تحية، فسألت عنه حين لم يسأل هو عني، فجاء متثاقلاً بطيئاً، وألقى تحيته في تعاظم وتكلف، وجلس في اعتزاز واستعلاء، وبدرت في عينه حمرة الشر، فلما استوى به المجلس، بدأت الكلام خائفاً أترقب وصحت بالخادم: هات شراب ليمون مشعشعاً بالثلج!، فقال: يا هذا، ما زلت تذهب إلى مصر وتعود، وأنت في ضلالك القديم، لا ينفتق عقلك عن جديد، وأنا هاهنا قابع في عقر (كفر عليم) ومع ذلك أثب كل يوم فأحك بيافوخي السماء. قلت: لا جرم إذا انحرفت فقومني، قال بلى، إذا طلبت ماء بليمون غلا تقل هات شراب الليمون، وإلا كنت ساقطاً تافهاً ركيكاً كهذا الذي يقول:

أكلت (بطاطة) وشربت ماء ... كأني ما شربت ولا أكلت

ثم يزعم أنه شاعر. ولكن قل هات الماء المليمن، وليمن الماء يا فتى!، وإذا خلط الماء بعصير البرتقال فهو مبرتق، والغلام يبرتق الماء. أما سمعتهم يقولون (الرز المفلفل) (والسمك المملح؟) فلماذا ندعهم يشتقون من الفلفل والملح، ولا نشتق نحن من الليمون

<<  <  ج:
ص:  >  >>