أكبر بنيه الثلاثة - إنك رب هذا المال وسيد هذه الدار وصاحب هذا السلطان، ثم أقامك على بعض شأنه لترضى، فانفجرت أسارير نفسك وهدأت جائشة قلبك وانجابت عنك غمة أوشكت أن تعصف بك في غير رحمة ولا شفقة.
ورحت أنت تبسط سلطانك على شؤون الدار في شطط لا عرف الاعتدال، وتصرف الأمر في حمق لا يعرف العقل، وتلقي الرأي في طفولة لا تعرف الحصافة، غير أن أباك كان من ورائك يهدهد من غلوائك في رفق، ويكبح من جماح أهوائك في لين.
لقد كانت زوجة أبيك - ولا ريب - تطمع أن تكون سيدة الدار وصاحبة السلطان، وهي ترى الدار تفهق بالنعمة وتشرق بالثراء، ولكنك كنت تسد أمامها المنفذ في قسوة، وتغل يدها في غلظة، فما تنال من مال أبيك إلا بقدر لا يشبع التهم ولا يشفى الغلة، فراحت ترفقك في غيظ يحمل في ثناياه مقتاً وكراهية. وأبن أنوثتها أن تستلم وتخضع فهبت تحتال للأمر في مكر وخديعة، واندفعت تنفث سمومها في قلب أبيك في هوادة وفي رقة؛ وأبوك يلقي السمع حيناً ويغضى عن الحديث حيناً، والشيطانة لا تهدأ ولا تستكين، وأنت في لهو يشغلك الغرور وتعميك الغواية.
واستطاعت الزوجة أن تجذب إليها الرجل رويداً رويداً لينأى عنك رويداً رويداً، وأنت في لهو يشغلك الغرور وتعميك الغواية.
وسرت في أضعاف الدار ثورة مكفوفة توشك أن تنفجر فتبعثر الهدوء والراحة، وتذري السلام والأمن: فأبوك يجلس إلى زوجته كل مساء في خلوة يستمع إلى حديثها في صمت، وهو يستشف من خلال كلماتها روح الختل والخداع آناً، ويلمس فيه سمات الصراحة والحق آناً، فيتهم زوجه ويرميك أنت بالطيش والنزق. والزوجة تلبس ثوب الثعلب فتلقاك في بشاشة واستبشار على حين أنها تنشر من حواليك شباكاً محبوكة الأطراف لتعكر صفو ما بينك وبين أبيك، وهو يسلس وينقاد. وأنت. . . أنت أيها الصبي. . . لا يستطيع عقلك الصغير أن ينحط إلى بعض ما يدور حولك مما ينسجه عقل شيطان حصيف مرن على المداهنة والمكر، فلا ترى ولا تسمع، غير أنك تتشبث بسلطانك في الدار مثلما الطفل بلعبة عزيزة على نفسه يخشى أن يستلها مارد جبار من بين يديه الصغيرتين.
وسافر أبوك - ذات مرة - إلى المدينة لبعض شأنه، فجلست أنت في مكانه من الدار وقد