كلما رددت في شعري النظر ... بان ضعف العي فيه، وظهر
ليس يرضيني، ولا يمكنني ... جحد ما قد شاع منه، واشتهر
فأجيل الفكر في تقليله ... فإذا قل اختصرت المختصر
وبه فقر إلى ذي كرم ... إن رأي ما فيه من عيب ستر
وذاك يدل على تطلع أسامة إلى مثل أعلى، كان ينبغي أن يصل إليه مستوى شعره، ولا بد أن كان لذلك أثره، وأخذه إياه بالتقويم والتنقيح، حتى ظهر شعره في هذا الثوب من القوة والجزالة، مما يذكرنا بشعر الفحول الذين سموا بنفسهم عن أن يكون مظهر التلاعب بالألفاظ، أو الجري وراء محسن لفظي، من غير أن يكون في البيت معنى جليل، أو خاطر سام، أو شعور صادق، أما أسامة فلديه ما يقوله، في أسلوب قوي، وعبارة رصينة.
وتتدفق خواطر أسامة في قصيدته، ويرتبط بعضها ببعض، حتى يصبح البيت لبنته، في بناء ملتحم مؤتلف، خذ مثلاً قوله:
لا تجز عن الخطب ... فكل دهرك خطب
وحاثات الليالي ... مملة، ما تغب
تروح سلماً وتغدو ... على الفتى وهي حرب
ولا تضق باصطبار ... ذرعاً إذا اشتد كرب
فصبر يومك مر ... وفي غد هو عذب
كم صابر الدهر قوم ... فأدركوا ما أحبوا
وكل نار حريق ... يخشى لظاها ستخبو
ترى فيه التحام الخواطر وتسلسلها، ولا تجد ذلك في مقطوعاته القصيرة فحسب، بل في قصائده الطويلة أيضاً، حتى ليخيل إليك أحياناً أنك تقرأ قطعة منثورة، لا قصيدة منظومة؛ ويطول نفس أسامة أحياناً حتى تبلغ القصيدة تسعين بيتاً، كتلك التي كتبها على لسان نور الدين، يعدد فيها وقائعه مع الفرنج.
وينهج أسامة في كثير من الأحيان المنهج التقليدي، فيبدأ قصائده بالغزل، حين يفتخر، أو يمدح، أو يشكو، وحيناً يبدأ موضوعه من غير مقدمة غزلية، كالقصيدة التي بعث بها إلى معين الدين أنر، وقد لقى الفرنج، وهزمهم، فقال أسامة: