للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ينافي عنصر الجمال الذي هو غاية الفن وطابعه.

هذا هو رأي الأستاذ الونداوي. وخلاصته أنه يريد أن يحرر الفن من كل قيد وأن يعفيه من كل قانون، ليصل من وراء هذا كله إلى تحقيق ذلك العنصر الرئيسي في الفن، ونعني به عنصر الجمال. . . ومن هذا الرأي الذي يجهر به الأستاذ الونداوي تخرج بأن مضمون نظرته وجوهر دعوته يلتقيان حول معنى واحد: هو أن الجمال في الفن عماده الحرية.

نود أن نقول للأستاذ الونداوي إن إطلاق حكم عام على مشكلة من مشكلات الفن يتطلب شيئاً من التريث وأشياء من المراجعة. ولو تريث الأستاذ في دراسة المشكلة وراجع نفسه عند إصدار حكمه، لأدرك أن تحرير الفن من كل قيد معناه الحرية المطلقة، وأن الحرية المطلقة ليست هي الجمال الذي يتطلع إليه! إننا حين نفرض القيود على الفن فإنما نفرضها بغية أن نبث فيه روح النظام. وما هو الجمال في الفن إذا لم يكن هو النظام على التحقيق؟ وحين نرفض الحرية المطلقة في الفن فإنما نرفضها خشية أن نبث فيه روح الفوضى. وما القبح في الفن إذا لم يكن هو الفوضى بلا جدال؟ لا بد إذن من القواعد وأصول حين نحتاج في (تنظيم) الفن إلى تلك القواعد والأصول، ولابد إذن من القيود التي تقررها المقاييس النقدية لتحديد القيم الجمالية. ومع ذلك فنحن لا ننكر الحرية التي تتيح للفن أن يتنفس ليكون فناً، ولكنها الحرية المعقولة غير المطلقة، تلك التي تعمل في مجالها الطبيعي حيث قدر لها أن تكون! هناك إذن قيود مفروضة وقيود مفروضة. أما تلك القيود المفروضة فقد حددناها في مذهب (الأداء النفسي)، وهو مذهبنا في نقد الفنون عامة وفي نقد الشعر على الأخص، ولا بأس من أن نعيد اليوم بعض ما قلناه بالأمس، مادام الأستاذ الونداوي يريد أن يعرف رأينا في مشكلة الفن والقيود.

في القصيدة الشعرية، وفي اللوحة التصويرية، وفي القطعة الموسيقية، وفي كل عمل يمت إلى الفن بسبب من الأسباب، يحسن بالفنان، بل يجب عليه، أن يكون له هدف. . هذا الهدف لا بد له من تصميم، ولابد له من خط سير، ولا بد له من خطوات تتبع خط السير وتعمل في حدود التصميم. ذلك لأن الفن في كل صوره من صوره يجب أن يعتمد أول ما يعتمد على تلك الملكة التي نسميها (ملكة التنظيم)، وكل فن يخلو من عمل هذه الملكة التي تربط بين الظواهر، وتوفق بين الخواطر، وتنسق المشاهد ذلك التنسيق الذي يضع كل

<<  <  ج:
ص:  >  >>