ويمكن أن يقال إن (السماع من المحدثين) هو كما فسره الأستاذ الزيات مخالفة القياس في اللفظ والمعاجم في المدلول، ولكن هذا القيد أهمل في القرار إهمالاً اطمأن إليه الأستاذ إبراهيم مصطفى!
ويماثل الأمم الصغيرة في ذلك (التحفظ) هذه الصيحات التي ترمي إلى تحرير اللغة وتطويعها لمقتضيات العصر، على أساس أنها لغتنا التي ورثناها عن الأسلاف ولنا حق التصرف فيها بما ينميها ويجعلها تساير الحياة، وليست (عيناً موقوفة) يلتزم فيها شرط الواقف. وخدمة اللغة لا تكون بالتشدد فيها والوقوف بها عند الحدود الجامدة، وإنما تكون بتسهيلها وتوسيع آفاقها، لتكون لغة مرنة محبوبة. والتجارب تداما على أن التشدد لم يجد نفعاً إزاء الاندفاع الذي يخضع للقوانين الطبيعية، فكم نبه المنبهون وكم صحح المصححون دون أن يلتفت إليهم أحد، فالمتحف لا ينطق إلا بالفتح، ولم تتجنب الألسنة والأقلام الزهور والنوادي والأحفاد والفشل. . . الخ، فماذا يضير اللغة لو أقررنا هذه الكلمات وأمثالها مما شاع جريانه على الأقلام واكتسب حق الحياة بكثرة الاستعمال؟ على أننا رأينا مدلول الكلمة الواحدة قد تغير وتطور في العصور المختلفة، فماذا لو أضفنا إليها مدلولاً جديداً؟
وهذا المجمع يعني نفسه بالمصطلحات الطبية والعلمية وغيرها منذ سنوات، وقد وضع من ذلك كثيراً، أكثره غريب ثقيل ليس من المنتظر أن تستعمله الجامعات والهيئات العلمية، ولست أدري لماذا لا تظل هذه المصطلحات بأسمائها كما وضعها أصحابها؟ ولماذا لا نسهل على كلية الطب مثلاً بإقرار هذه المصطلحات كأعلام للأشياء التي وضعت لها على أن تكون الدراسة فيها باللغة العربية من حيث التعبير والتركيب المكون للجمل العربية مع الاحتفاظ بالأسماء كما هي؟
وأنا لا أستطيع - بعقلي البحت - أن أفهم لماذا نغير الأسماء وقد وضعها أصحابها عند ولادة مسمياتها فصارت أعلاماً عليها. أليس من حق الوالد أن يسمي ولده بما يشاء؟ فكذلك الصانع والمخترع، إننا لا نغير أسماء الأجانب الذين يأتون إلى بلادنا فلماذا نغير أسماء الأشياء التي ترد إلينا من الخارج؟
وتبرز لنا هنا كلمة (التعريب) التي قالوا بأنها الملجأ الأخير لإدخال الكلمة الأجنبية في اللغة العربية، جرياً على ما فعله العرب في العصور المتقدمة. أريد أن أسأل: لماذا عرب