والمصدر الثاني للسلطة التعليمية هو الآباء والأمهات، فما أحوج المشرعين في النظم التعليمية إلى التعرف على شكاوى المنزل، والوقوف على ميول الفتيان والفتيات نحو المادة العلمية، وصنوف المعلمين، وألوان النشاط. .
والمدرسة والمنزل كلاهما مرصد يسجل فيه المعلمون والآباء بمعاييرهم الحساسة وقائع - إذا وضعت بمادتها الخام تحت النظر الفاحص أنبأت عن تيارات قد نرضاها فنطمئن إليها ونشجعها، أو نخشاها فنجهد في تجنبها وعلاجها بالحكمة والسداد.
ولما كان المتعلمون هم أصحاب الشأن الأول في الموضوع فقد وجب استخدام (منهج الاستفتاء) المعروف خطره في العلوم السيكولوجية والاجتماعية: وذلك بتوجيه أسئلة مطبوعة منظمة تنظيماً منطقياً نفسانياً، مع فحص الأجوبة عنها بكل عناية. . وبهذا لا يحرم المشروع من الاتصال المباشر بمن سيشرع لهم، وعندئذ تكون النظم المختارة ناضجة غاية النضج، لأنها في الغالب العام من أصداء النفوس في طوابعها ونوازعها.
ويبقى بعد كل ذلك ما يصح لنا أن نسميه (فلسفة التوجيه). فإنه إذا اقتصرت مهمة المدرسة على التلقين الإكراهي، وحشو الدماغ ثم استفراغه مما عسى أن يكون قد علق به من المعلومات طولاً وعرضاً، فليس يعدو الأمر أن يكون سخرة منظمة: إذ يتجرد المدرسون من ميكانيكاً لترويض حيوانات ناطقة على حساب التربية والتعليم والتثقيف دون اعتبار للكسب والخسارة.
والخطر محدق من غير شك بالمجتمع أولاً وأخيراً: ذلك بأن التعليم يجب أن يسير وفق (الروحانية) المرنة لا نحو (الآلية) الجامدة، وأن يتوخى (الإيحاء) لا (التلقين).
وإذا ننتهي إلى اللغة الإحصائية حسب المنهج الاستقرائي المتبع، نرى أنفسنا مقيدين بروابط طبيعية هي (القوانين) الصارمة التي لا مناص من الاعتراف بها، والعمل على تنفيذها في ثقة واطمئنان، وأمانة وتسليم.
ومن المحقق أن الآفاق التي تفترض القوانين أياً كان نوعها هي الأوضاع التي نشأت عنها المجتمع المتميز بخصائصه ومشخصاته جغرافياً واقتصادياً واجتماعياً مما لا يدع مجالاً للشك في أن كل تفرد بالرأي أو تقليد لنظام أو احتكار لسياسة أو التحكم في فرض، تحت