صومه وروي يوسف بن الحكم قال: سألت ابن عمر عن الصوم في السفر فقال أرأيت لو تصدقت على رجل صدقة فردها عليك ألا تغضب؟ فإنها صدقة من الله تصدق بها عليكم.
ولقد اتخذ كثير من رجال الإسلام الصوم والجوع واسطة لتهذيب النفس وقمع شهواتها.
فمن كلام لأمير المؤمنين الإمام علي (ع) يصف العارف أنه (قد أحيا عقله وأمات نفسه حتى دق جليله ولطف غليظه وبرق له لامع كثير البرق فأبان له الطريق وسلك به السبيل وتدافعته الأبواب إلى باب السلامة ودار الإقامة وثبتت رجلاه بطمأنينة بدنه في قرار الأمن والراحة بما استعمل قلبه وأرضى ربه) وقد قال في شرحه ابن أبي الحديد سنة ٦٥٥هـ أنه عليه السلام يصف العارف يقول قد أحيا قلبه بمعرفة الحق سبحانه وأمات نفسه بالمجاهدة ورياضة القوة البدنية بالجوع والعطش والشهر والصبر على مشاق السفر والسياحة حتى دق جليله أي حتى نحل بدنه الكثيف ولطف غليظه أي تلطفت أخلاقه وصفت نفسه فإن كدر النفس في الأكثر إنما يكون من كدر الجسد والبطنة كما قيل تذهب الفطنة.
وقد رأيت الشيخ الرئيس ابن سينا في كتابه (الإشارات) في الفلسفة وقد درسته في النجف الأشرف - يدعو إلى رياضة النفس وقمع شهواتها توصلا بذلك إلى رقيها ورفعها إلى مستوى العارفين.
وقال إبراهيم بن أدهم لن ينال الرجل درجة الصالحين حتى يغلق عن نفسه باب النعمة ويفتح عليه باب الشدة، وقال أبو علي الروذباري إذا قال الصوفي بعد خمسة أيام أنا جائع فألزموه السوق ومروه بالكسب. فتراه يطلب من الصوفي الصبر على الصوم الطويل وجاء في الحديث أن فاطمة جاءت إلى رسول الله (ص) بكسرة خبز فقال ما هذه؟ قالت قرص خبزته فلم تطب نفسي حتى أتيتك منه بهذه الكسرة فأكلها وقال أما أنها لأول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاث. قال ابن أبي الحديد وكان يقال ينابيع الحكمة من الجوع وكسر عادية النفس بالمجاهدة. وقال يحيى بن معاذ لو أن الجوع يباع في السوق لما كان ينبغي لطلاب الآخرة إذا دخلوا السوق أن يشتروا غيره.
وقال سهل بن عبد الله لما خلق الله الدنيا جعل في الشبع المعصية والجهل وجعل في الجوع الطاعة والحكمة: