فقلت له يا أبا ربيعة، وما يمنعك الآن وقد أطرحت أثقالك وانبتب أسبابك من النساء - أن تعيش خفيف الظهر، وتفرغ للنسك والعبادة، وتجعل قلبك كالسماء انقشع غيمها فسطعت فيها الشمس؛ فإنه يقال: إن المرأة ولو كانت صالحة قانتة - فهي في منزل الرجل العابد مدخل الشيطان اليه، ولو أن هذا العابد كان يسكن في حسناته لا في دار من الطوب والحجارة لكانت امرأته كوة يقتحم الشيطان منها. ولقد كان آدم في الجنة، وبينهما وبين الأرض سماوات وأفلاك، فما منع ذلك أن تتعلق روح الأرض بالشيطان، فيتعلق الشيطان بحواء، وتتعلق هي بآدم؛ ومكر الشيطان فصور لهما في صيغة مسئلة علمية، ومكرت حواء فوضعت فيها جاذبية اللحم والدم، فلم تعد مسئلة علم ومعرفة، بل مسئلة طبع ولجاجة. فأكَلا منها فَبدَتْ لهما سَوْءَاتُهُمَا. وهل اجتمع الرجل والمرأة من بعدها على الأرض إلا كانا من نصب الحياة وهمومها، وشهواتها ومطامعها، ومضارها ومعايبها - في معنى (بَدَتْ لهما سَوَْآتُهُمَا). . .؟
كلانا يا أبا ربيعة ممن لهم سير بالباطن في هذا الوجود غير السير بالظاهر، وممن لهم حركة بالفكر غير الحركة بالجسم؛ فقبيح بنا أن نتعلق أدنى متعلق بنواميس هذا الكون اللحمي الذي يسمى المرأة؛ فهو تدل وإسفاف منا. ولعلك تقول:(النسل وتكثير الآدمية.) فهذا إنما كتب على إنسان الجوارح والاعضاء، أما إنسان القلب فله معناه وحكم معناه؛ إذ يعيش بباطنه، فيعيش ظاهره في قوانين هذا الباطن، لا في قوانين ظاهر الناس. وإنه لشر كل ما نقلك إلى طبع أهل الجوارح وشهواتهم، فزين لك ما يزين لهم، وشغلك بما يشغلهم؛ فهذا عندنا - يرحمك الله - باب كأنه من أبواب المجون الذي ينقل الرجل إلى طبع الصبي.
فاطمس يا أخي على موضعها من قلبك، وألق النور على ظلها؛ فالنور في قلب العابد نور التحويل إن شاء، ونور الرؤية إن شاء، يرى به المادة كما يريد أن تكون لا كما تكون. وأنت قد كانت فيك امرأة، فحولها صلاة وأعمل بنورك عكس ما يعمل أهل الجوارح بظلامهم، فقد تكون في أحدهم الصلاة فيحولها امرأة. . .
قال أبو ربيعة: تالله أنه لرأي؛ والوحدة بعد الآن أروح لقلبي، وأجمع لهمي؛ وقد خلعني الله