ولنرجع مرة أخرى للتاريخ القديم لنرى مدى علاقة طرابلس بفزان؛ فنحن نعرف أن الفينيقيين قد أتوا ساحل طرابلس وأقاموا المدن الثلاث؛ ولا شك أم وجود هذه المدن الثلاث وقيامها لم يأت عفواً بل لعوامل الجغرافية هي التي ساعدت على قيامها لدرجة تجعلنا نعتقد أن قيام هذه المدن كان لابد أن يحدث سواء أتى الفينيقيون إلى طرابلس أم لم يأتوا؛ لأن عوامل قيامها متوفرة وإن شاءت الظروف أن يحدث ذلك على يد الفينيقيين. هذه العوامل الجغرافية التي ساعدت على قيامها كان أهمها الطرق التجارية التي تربط هذه الأماكن بفزان ومنها إلى أقليم السودان. فصبراته مثلاً تقوم في نهاية طريق تجاري إلى الجنوب يمر بفدامس وطرابلس تقوم عند نهاية طريق تجاري قديم إلى الجنوب يمر إما عن طريق ترهونه وإما عن طريق غربان. ولقد كانت هذه الطرق التجارية خير رابط بين فزان وطرابلس وموحد بين هذين الإقليمين منذ العصور القديمة. وإذا كانت تجارة القوافل قد قلت أهميتها في الأعوام الأخيرة فما ذلك إلا لتغلغل الاستعمار الأوربي وفصله بين فزان والسودان، وفي فصل فزان عن طرابلس القضاء النهائي على بقايا هذه التجارة وهدم ركن هام في حياة البلاد الاقتصادية. وكان الأولى التفكير في ضم أقليم تمبكتو إلى فزان حتى تنتعش تجارة القوافل بعد كسادها مؤقتاً لا العمل على بتر فزان من طرابلس، إذ أن الجيوش الفرنسية قد دخلت فزان للتحرير كما دخلت جنود الحلفاء فرنسا نفسها بعد انهيارها أمام الغزو الأجنبي.
وإذا كانت واحة الكفرة على رغم موقعها المنعزل ورغم قلة أهمية تجارة القوافل التي تمر بها بالنسبة لما هو كائن بفزان وبرغم ظروف الحرب الأخيرة فإن الأستاذ يذكر لنا في