كتبه الذي ألفه أخيراً عن واحة الكفرة أن عدد القوافل التي مرت بها سنة ١٩٤٣ كان ٧٥ قافلة كان عدد جمالها ٢٢٥٠ جملاً فماذا يكون الحال في فزان إذا أحكمت الصلة بينه وبين موانئ الشمال وضم إليه تمبكتو الملاصق للسودان؟
على أن هذه الصلة المتينة التي ربطت بين طرابلس وفزان قد أدركت منذ القدم، ولم يدركها الفينيقيون وحدهم، فبعد أن بسط الرومان سيادتهم على طرابلس اقتنعوا بصعوبة إخضاع هذا الجزء ما لم يتم الاستيلاء على فزان؛ فنرى كورنليوس بالبوس في عهد أغسطس يتولى قيادة حملة هامة لإخضاع فزان. وكم كانت فرحة أهل روما عظيمة عندما عاد إليهم بالبوس منتصراً بعد أن وصل إلى مدينة جرمة عاصمة فزان في ذلك الوقت. وكان الرومان يكررون إرسال هذه الحملات من وقت لآخر لضمان بقاء فزان حتى يضمنوا بقاءهم في طرابلس كما حدث في عهد الإمبراطور تيبروس عندما ذهب القائد فستس على رأس حملة حربية بدأت سيرها من لبرا إلى (بونجيم) فهون ففزان. ولم يتوانى الرومان عن إرسال الحملات إلى فزان حتى يضمنوا خضوعه لهم فأمنوا على طرابلس من الجنوب كما اتخذوا منه قاعدة للوصول إلى أواسط أفريقية.
لا شك أن هذه العوامل الجغرافية قد بينت لنا مدى ضرورة هذه الوحدة كما أننا إذا رجعنا إلى التاريخ وجدنا العصور الذهبية لتاريخ البلاد قد تمثلت لنا عندما كانت موحدة أو أقرب إلى الوحدة. ترى ذلك في السنوات المتقدمة من الفتح العربي، ونرى ذلك أيام حركة أبي الخطاب الأباضي التي لو قدر لحركته أن تستمر لتمت الوحدة على يديه على أتم ما يكون. ونرى ذلك أخيراً في العهد القره مانلي. ولولا وحدة هذه البلاد واستغلال مرافقها مجتمعة ما استطاع أحمد باشا القره مانلي أن يؤسس دولة كان لها من القوة ما أرعب الدول في الحوض الأبيض وما استطاع أبناؤه من بعده أن يسيروا على هذه السياسة ويرفعوا شأن لوبيا.
ولا شك أن البلاد بأجزائها الثلاثة تعاني أزمة خطيرة بسبب قلة السكان وهذه القلة لا تسمح بهذا التقسيم بل تنادي بضرورة التكتل والجمع بين هذه القلة المشطورة. ونحن نعرف من أبسط دروس التربية الوطنية التي تعلمناها في المدارس أن شروط قيام أي دولة هو وفرة السكان بشكل كاف حتى يمكن الحصول منهم على الدخل الذي يكفيها ويمكنها من إدارة