سجدات من النوافل، والخير منها كلها أن تكون قد خرجت من صلبك أعضاء تركع وتسجد. قتلت رجولتك، ووأدت فيها النسل، ولبثت طوال عمرك ولداً كبيراً لم تبلغ مرتبة الأب! فلئن أقمت الشريعة، لقد عطلت الحقيقة، ولئن. . . . . .
قال أبو خالد: ووقعت غنة النون الثانية في مسمعي من هول ما خفت مما بعدها كالنفخ في الصور؛ فطار نومي وقمت فزعا مشتت اللب، كمن فتح عينيه بعد غشيته فرأى نفسه في كفن قبر سد عليه. . .!
وما كدت أعي وأنظر حولي وقد برق الصبح في الدار حتى رأيت أبا ربيعة يتقلب كأنما دحرجته يد، ثم نهض مستطار القلب من فزعه وقال: أهلكتني يا أبا خالد، أهلكتني والله.
قلت ما بالك يرحمك الله!
قال. إني نمت على تلك النية التي عرفت: أن أجمع قلبي للعبادة، وأخلص من المرأة والولد، ومن المعاناة لهما في مرمة المعاش والتلفيق بين رغيف ورغيف، وأن أعفي نفسي من لأوائهم وضرائهم وبلائهم لأفرغ إلى الله وأقبل عليه وحده. وسألت الله أن يخير لي في نومي؛ فرأيت كأن السماء قد فتحت، وكأن ر جالا ينزلون ويسيرون في الهواء يتبع بعضهم بعضا، أجنحة وراء أجنحة؛ فكلما نزل واحد نظر إلي وقال لمن وراءه: هذا هو المشئوم!
فيقول الآخر: نعم هو المشئوم!
وينظر هذا الأخر إلي ثم يلتفت لمن وراءه ويقول له: هذا هو المشئوم!
فيقول الآخر: نعم هو المشئوم!
وما زالت (المشئوم، المشئوم) حتى مروا؛ لا يقولون غيرها ولا أسمع غيرها، وأنا في ذلك أخاف أن أسألهم، هيبةً من الشؤم، ورجاء أن يكون المشئوم إنساناً ورائي يبصرونه ولا أبصره. ثم مر بي آخرهم، وكان غلاماً. فقلت له: يا هذا، من هو المشئوم الذي تومئون إليه؟
قال: أنت!
فقلت: ولم ذاك؟
قال: كنا نرفع عملك في أعمال المجاهدين في سبيل الله، ثم ماتت امرأتك، وتحزنت على