من مقاساة الأهل والولد حملها الإنساني العظيم، وفكر لغير نفسه، وأغتم لغير نفسه، وعمل لغير نفسه، وآمن وصبر ووثق بولاية الله حين تزوج فقيراً، وبضمان الله حين أعقب فقيراً؛ فهو مجاهد في سبل كثيرة لا في سبيل واحدة كما يجاهد الغزاة؛ هؤلاء يستشهدون مرة واحدة، أما هو فيستشهد كل يوم مرة في همومه بنا، واليوم يرحمه الله بفضل رحمته إيانا في الدنيا. أما بلغك قول أبن المبارك وهو مع إخوانه في الغزو:(أتعلمون عملا أفضل مما نحن فيه؟ قالوا: ما نعلم ذلك. قال: أنا اعلم. قالوا فما هو؟ قال: رجل متعفف على فقره ذو عائلة قد قام من الليل، فنظر إلى صبيانه نياماً متكشفين، فسترهم وغطاهم بثوبه؛ فعمله أفضل مما نحن فيه. . .)
يخلع الأب المسكين ثوبه على صبيته ليدفئهم به ويتلقى بجلده البرد في الليل. إن هذا البرد - يا أبا خالد - تحفظه له الجنة هنا في حر هذا الموقف، كأنها مؤتمنة عليه إلى أن تؤديه. وإن ذلك الدفء الذي شمل أولاًده يا أبا خالد - هو هنا يقاتل جهنم ويدفعها عن هذا الأب المسكين. قال أبو خالد: ويهم الوليد أن يمضي ويدعني، فما أملك نفسي، فأمد يدي إلى الإبريق فأنشطه من يده، فإذا هو يتحول إلى عظم ضخم قد نشب في كفي وما يليها من أسلة الذراع فغابت فيه أصابعي، فلا أصابع لي ولا كف. وأبى الإبريق أن يسقيني وصار مثله بي، وتجسدت هذه الجريمة لتشهد علي، فأخذني الهول والفزع، وجاء إبريق من الهواء، فوقع في يد الوليد، فتركني ومضى
وقلت لنفسي: ويحك يا أبا خالد ما أراك إلا محاسبا على حسناتك كما يحاسب المذنبون على سيئاتهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله! وبلغتني الصيحة الرهيبة: أين أبو خالد الأحوال الزاهد العابد؟
قلت: هأنذا.
قيل: طاووس من طواويس الجنة قد حص ذيله فضاع أحسن ما فيه! أين ذيلك من أولاًدك وأين محاسنك فيهم، أخلقت لك المرأة لتتجنبها، وجعلت نسل أبويك لتتبرأ أنت من النسل؟
جئت من الحياة بأشياء ليس فيها حياة؛ فما صنعت للحياة نفسها إلا أن هربت منها وانهزمت عن ملاقتها، ثم أنت تأمل جائزة النصر على هزيمة. .!
عملت الفضيلة في نفسك ونشأتك ولكنها عقمت فلم تعمل بك. لك ألفً ألف ركعة وممثلها