ومر بي أحدهم، فمددت إليه يدي وقلت:(أسقني فقد يبست واحترقت من العطش!)
قال:(ومن أنت؟)
قلت:(أبو خالد الأحول الزاهد.)
قال:(آلك من أطفال المسلمين ولد افترطته صغيراً فاحتسبته عند الله؟)
قلت:(لا. . .)
قال:(ألك ولد كبر في طاعة الله؟)
قلت:(لا. .)
قال:(ألك ولد نالتك منه دعوة صالحة جزاء حقك عليه في إخراجه إلى الدنيا؟)
قلت:(لا. .)
قال:(ألك ولد من غير هؤلاء ولكنك تعبت في توميه، وقمت بحق الله فيه؟)
قلت:(يرحمك الله، إني كلما قلت (لا) أحسست (لا) هذه تمر على لساني كالمكواة الحامية. . .)
قال:(فنحن لا نسقي إلا إباءنا، تعبوا لنا في الدنيا، فاليوم نتعب لهم في الآخرة؛ وقدموا بين يديهم الطفولة، وإنما قدموا السنةً طاهرةً للدفاع عنهم في هذا الموقف الذي قامت فيه محكمة الحسنة والسيئة. وليس هنا بعد ألسنة الأنبياء أشد طلاقة من ألسنة الأطفال، فما للطفل معنى من معاني آثامكم يحتبس فيه لسانه أو يلجلج به)
قال أبو خالد: فجن جنوني، وجعلت أبحث في نفسي عن لفظة (ابن) فكأنما مسحت الكلمة من حفظي كما مسحت من وجودي؛ وذكرت صلاتي وصيامي وعبادتي، فما خطرت في قلبي حتى ضحك الوليد ضحكاً وجدت في معناه بكائي وندمي وخيبتي
وقال يا ويلك أما سمعت:(إن من الذنوب ذنوبا لا تكفرها الصلاة ولا الصيام، ويكفرها الغم بالعيال.) أتعرف من أنا يا أبا خالد؟
قلت: من أنت يرحمنا الله بك؟
قال: أنا ابن ذلك الرجل الفقير المعيل، الذي قال لشيخك إبراهيم بن أدهم العابد الزاهد:(طوبى لك فقد تفرغت للعبادة بالعزوبة.) فقال له إبراهيم: (لروعة تنالك بسبب العيال أفضل من جميع ما أنا فيه. . .). وقد جاهد أبي جهاد قلبه وعقله وبدنه، وحمل على نفسه