هذا عرض سريع لفلسفة الإصلاح منذ أقدم العصور وهو تاريخ جدير بالنظر والاعتبار.
فإذا نحن أردنا لهذا المجتمع الحالي إصلاحا، وقفنا منه على أشياء منها: أن المجتمع الآن نهب لأشتات النوازع الوحشية، والشهوات البهيمية، حتى نأى الفرد والمجموع معاً عن ينبوع الرسالة السماوية: فلم يعد للضمير وخز، ولم يعد للقلب ينبض بالخير والمعروف، وجمد العقل وعكف على أصنامه، ورانت غشاوة المادة على النفس الإنسانية، وتجمدت الأكباد، ارتكاناً على مخترعات (الحيوان الصناعي) الذي أعاد التاريخ ذكراه، وأصبح كل همه الآن: الهجوم أو المقاومة، ولا شيء غير ذلك. فالسياسة الآن كلها مكر الذئاب، وروغان الثعالب، ونباح الكلاب، وجبن النعاج، وتسلل الفيران.
والدين كذلك هو التراخي والتواكل والذل والهوان والاستكانة والعبودية، والعملة المتداولة كلها زيف وزور وبهتان ولا رأس ما لها من يدن أو قانون، ولا رصيد لها يحميها ويغطي الخسارة، أما المكسب فهو النهب والسلب والغصب والغبن والفحش.
والتربية هي الأخرى تخلصت من (العروة الوثقى) وتحللت من جميع القيود، فلا كبير ولا صغير، ولا وازع ولا رادع، ولا حرية للانطلاق، ولا حدود للحجر.
وهكذا في جميع مرافق المجتمع، والفوضى ضاربة إطنابها والغيورون في حيرة عجيبة؛ أيبدءون بإصلاح السياسة أم الاقتصاد أم التربية، أم يبدءون بإصلاح الفرد أم المجتمع؟ وهل يصلحون الدنيا ليصلح الدين، أم هل يصلحون الدين لتصلح الدنيا؟ وظل هذا التخبط وسيظل حتى يعود الأمر إلى نصابه.
والحق أنه ما دامت الأصنام قائمة في المعبد والمنزل والمدرسة والسوق فلن يصلح الفرد ولا المجتمع. وسبيل الخلاص معروف، ولا مناص من السير فيه لأنه طبيعي، وسهل ميسور: وهو أن نهدف إلى غاية واضحة نبيلة، وتتجه جميع الأنظار إليها وتستوعبها وتؤمن بها. والمنطق السليم يقول بأن هذه الغاية هي (الله سبحانه وتعالي، وهو الأول والآخر، وهو الذي خلق العقل أول ما خلق. والآن وبعد أن انحدرت الإنسانية إلى هذه الهاوية المادية وبعد إغفالها صوت العقل لا سبيل إلى انتظام الحال إلا بإصلاح العقل وتخليصه من أوهامه وإنقاذه من أصنامه، وهذا هو البدء الصحيح وصدق الشاعر: