للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحاجة التي صادفت سقراط إذ خلقت منه ظروف بلاده مصلحا اجتماعيا.

وكذلك العالم الإسلامي في العصر الوسيط، إذ أراد الفارابي أن يقيم دعائم (المدينة الفاضلة) فاتجه إلى حقيقة النبي، والسر في صلاحيته للرسالة، ودرس نفاوت البشر في درجة الخيال وملكة الإلهام، فإذا أراد أفلاطون أن يكون الفلاسفة ملوكا والملوك فلاسفة، فقد أراد الفارابي أن يكون الفلاسفة المصلحون ورثة الأنبياء.

وأحاطت بفرنسا في القرن السادس عشر ظروف سياسية عنيفة كان العقل فيها وقفا على أهل الكنيسة والعلم احتكار الهيئة كبار العلماء. فقام (ديكارت) ليدلي بدلوه في الإصلاح بمناورة فلسفية يتخطى بها كل الحواجز والموانع التي تحول دون غرضه فأحصى في كتاب خاص (قواعد لهداية العقل) لأن شيطاناً ماكراً - على حد تعبيره - يعبث بأفكاره ويضلله ولم يلبث أن وضع كتابه الآخر عن (المنهج للبحث عن الحقيقة في العلوم) وقال فيه أول ما قال (العقل أعدل الأشياء توزعا بين الناس) فكانت هذه الجملة بمثابة القنبلة التي ألقاها (ديكارت) على الأرستقراطية المزعومة فحطم أوكار الاحتكار العلمي، وأخرج العلم من زوايا الأديار والصوامع، إلى ضوء النهار الساطع، ونجحت الثورة الديكارتية.

وجاء (فرنسيس بيكون) فحطم (أصنام العقل) التي لخصها فيما يلي: -

١ - أصنام القبيلة: كناية عما يرثه الإنسان من جنسه البشري كتصديق العرافين والمنجمين الذين إذا صدق أحدهم مرة ظن الإنسان أن النجمين صادقون، وكذب المنجمون ولو صدقوا.

٢ - أصنام المسرح: كناية عن تأثر الشخص بالمشهورين قبله مثله كمثل المتفرج الذي يقلد الممثل إذا أجاد دوره.

٣ - أصنام السوق: كناية عن العملة التي نتعامل بها في المجتمع وهي اللغة التي تستعبدنا ألفاظها ومعانيها.

٤ - أصنام الكهف: كناية عما لكل فرد من مستودع سحيق، في قرارة نفسه تنحدر إليه مؤثرات من الخارج سواء من الوراثة أو البيئة أو ما سواهما.

ولكي نقيم أساس الإصلاح لابد من تحطيم هذه الأصنام التي تستعبد العقل وتستبد به، وتحول بينه وبين التبصر والتدبر مما لا يصلح معه نظام. وبناء المجتمع لا ينهض قوياً

<<  <  ج:
ص:  >  >>