للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وقد وضع الإمام أبو حنيفة قاعدة تنبئ أنه إذا لم يقبل حكم من الأحكام القائمة على القياس لكونه مخالفا للقواعد العامة للعدالة أو غير صالح للجماعة لعدم ملاءمته لهم يمكن للقاضي أن لا يأخذ بهذا الحكم ويستنبط حكماً آخراً أكثر مطابقة للعدالة وملاءمته لحاجات الناس. ولقد لقيت هذه القاعدة معارضة كبيرة من المذاهب الأخرى ولم يعمل بها إلا القليل من أتباع المذهب الحنفي. ولاشك أن هذا المبدأ سليم في ذاته ومطابق لروح القرآن. وزيادة في القول نقول إن التعرض للخطأ في تطبيقه قليل بالنسبة للقياس الذي يؤدي في بعض الأحوال إلى نتائج قد تتعارض مع الروح الواسعة التي تقضى بها أحكام القرآن. وللإمام مالك مبدأ مشابه لهذا وسماه الاستصلاح.

الاستدلال

أهم مصادر الاستدلال المعترف بها هي العرف والعادة وأحكام الشرائع المنزلة قبل الإسلام ومعلوم أن العرف والعادات التي كانت شائعة في الجزيرة العربية قبل الإسلام قد يؤخذ بها إذا لم يحرمها الإسلام. وعلى ذلك فكل العادات وما جرى عليه العرف في أي بلد يصح الأخذ به ما دام غير متعارض مع التعاليم الإسلامية ولم يحرمه القرآن أو السنة، إذ أن الإباحة هي الأصل ما لم يحرمها الدين. فإذا جرى العرف على أمر من الأمور كان هذا بمثابة إجماع الناس على قبوله وبذلك يكون له قوة تستبق قوة القواعد المستنبطة بالقياس.

وليس له من ضابط سوى ترك مخالفته لنص صريح في القرآن أو السنة. والمذهب الحنفي يعلق عليه أهمية كبرى كأصل من أصل التشريع الإسلامي. وقد ورد عن ذلك في كتاب الأشباه والنظائر قال: لقد أصبح العرف والعادة مصدرين لكثير من الأحكام حتى أصبح معترفاً بأنهما أصل من أصول التشريع الإسلامي. وأما ما يختص بأحكام الشرائع المنزلة قبل الإسلام فقد اختلف الفقهاء فيها؛ فبينما يرى بعضهم أن هذه الأحكام يجب التقيد بها ما لم يبطلها القرآن صراحة يرى البعض الآخر خلاف ذلك. ويرى أبو حنيفة أن هذه الأحكام مقيدة لنا إذا قررتها شريعتنا ولم ينص على بطلانها.

الإجماع

يطلق لفظ الإجماع على العزم والاتفاق؛ وذلك لأن في العزم جمع الخواطر، وفي الاتفاق

<<  <  ج:
ص:  >  >>