وعلى الرغم من أن توفيق الحكيم هو أكثر كتاب الشيوخ إقبالاً من القراء، فقد كانت نتيجة اليوم هي نتيجة الأمس. . . عشاق فنه وحدهم هم الذين أقبلوا على شراء قصصه الجديدة، نعني أن القروش العشرة لم تجذب قارئا جديداً لتضمه إلى قائمة قرائه المعجبين! والسبب. . . هو أن الذي يهوى القراءة ويعشق الاطلاع لا يهمه أن يكون ثمن الكتاب عشرة قروش أو مائة أما أولئك اللاهون والتافهون من وراد المراقص والمقاهي والحانات، فلن يقرئوا ولو حددنا أثمان الكتب بالمليمات!!
هذه حقيقة آمن بها توفيق الحكيم بعد التجربة كل الإيمان. . . ويقول لنا بعد أن عاد من رحلته الأخيرة إلى باريس. ما أعجب القوم هناك! إن حياتهم حياة. . . وحسبك أن العين قلما تقع على فتى أو فتاة من غير كتاب. . الكتاب دائماً يطالعك في أيدي الناس حيثما ذهبت: في القهوة، والبيت، والشارع، والمترو، وحلبة السباق. . لا يكاد يصرفهم عنه لهو أو متاع، في بلد كل ما فيه لهو ومتاع. صدقني ما أحسست بمدى الفارق بين الموت والحياة إلا بعد أن رجعت إلى مصر، وقارنت بين حال القراء هنا وحالهم هناك!
ولم نكن محتاجين إلى أن يقص علينا الأستاذ هذا الذي رآه، لأن بعض الحقائق تلمس بالعقل إن عز لسمها على الأنظار والأسماع. . . ومن هذه الحقائق الملموسة بالعقل أن القارئ الفرنسي يلتهم الكتب ن القارئ الفرنسي يلتهم الكتب التهاما ليضيف إلى عمره أعماراً أخرى عن طريق القراءة والاطلاع، ولولا هذا لما كانت الطبعة التي بين أيدينا من أحد كتب سارتر هي الطبعة الثالثة والتسعين. . . ولا تنس أن الطبعة الواحدة تقدر في حساب الناشرين بعدد من الألوف!!
هذا في فرسا، أما في مصر. . . فقد حدثنا الأستاذ الحكيم عن قصة صاحب المكتبة العامرة بالكتب في أشهر ميادين القاهرة وكيف تحولت إلى حانوت للمرطبات. . . وعندما سئل الرجل في ذلك أجاب: الناس لا يريدون اليوم عصير الذهن. . . إنهم يريدون عصي الليمون. . . وياله من جواب ذلك الذي يعيد إلى الأذهان أسطورة نهر الجنون!