له، وماذا نفعل من أجله، وكيف نهديه إلى معالم الطريق؟ إننا نستطيع أن ننفذ إلى مكامن الداء في جسم هذا الجيل المريض، ونستطيع أن نضع أيدينا على مصدره ونستطيع بعد هذا كله أن نصف العلاج الناجح والدواء المفيد. . . نستطيع أن نفعل هذا الذي قلناه، ولكن المشكلة التي تواجهنا ويتحول معها الأمل إلى يأس هي طبيعة المريض نفسه، طبيعته العقلية والنفسية، هذه الطبيعة التي لا تؤمن بقيمة الدواء ولا بجدوى العلاج ولا بنصائح الطبيب!!
وأين هو الطبيب المنتظر الذي يحمل الدواء إلى المريض في يد (والكرباج) في أخرى، حين يكون الكرباج هو السبيل الوحيد إلى الإقناع؟! أين هو ليجرع المريض العنيد عصير الذهن بدلاً من عصير الليمون، فإذا امتنع عن تجرع الدواء ألهب ظهره بسوط الجلاد؟! نحن محتجون إلى عهد الكرباج ليقرأ الناس. . . ولا شيء غير الكرباج يستطيع أن يقنعهم بأن الجد خير من الهزل، وأن الثقافة أفضل من الجهل، وأن النور أجمل من الظلام!
كل هذه الخواطر التي نسجلها في هذا المكان حول أزمة القراء، كنا ننتهي إليها وينتهي الأستاذ الحكيم كلما جمع بيننا لقاء. . . ويقول الأستاذ الصديق ذات يوم وكأنما اهتدى إلى علاج: ألا يكون ارتفاع أثمان الكتب سبباً من الأسباب الجوهرية في انصراف الناس عن القراءة؟ ونقول له رداً على ملاحظته المغلفة بإطار من الإيمان: لا نظن. . . فالقارئ الذي يريد أن يبسط عقله لا يقبض يده! ثم إن الكتب يا صديقي ليست هي الشيء الوحيد الذي ارتفع ثمنه في هذه الأيام، كل شيء قد ارتفع ثمنه وغلا سعره، ومع ذلك فما أكثر ما يقبل الناس ومنهم المتبلمون على الشراء ينفقون الجنيهات على المتعة الزائلة ويضنون بالقروش على المتعة الباقية. . . ينفقون على متعة الجسم والنظر ويضنون على متعة الذهن والروح. . . مائة قرش يدفعها الشاب الجامعي ثمنا لرباط رقبة، وعشرون قرشاً يستكثرها ثمنا لأثر من آثار الأدب والفن، ومن هنا عمرت محال (الكرافتات) وأقفرت من روادها المكتبات!
ويهز توفيق الحكيم رأسه هزات المؤمن بما يقول، ولكنه يريد أن يجعلها تجربة ليحكم في ضوء الوقائع المادية لا الآراء النظرية. . . ولم تمض أسابيع حتى أصدر الصديق مجموعتين من قصصه حدد لكل منها ثمنا قدره عشرة قروش بدلاً من خمسة وعشرين