للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أخيراً إلى حانوت للمرطبات؟! إن صاحبها هو صاحبها لم يتغير. ولكنه قلب نفسه بكل بساطة من (كتبي) إلى (شربتلي)!. . . وعندما سئل في ذلك قال: الناس لا يريدون اليوم عصير الذهن. . . إنهم يريدون عصير الليمون!

قلت: هذا صحيح مع الأسف. . . وهي ظاهرة خطيرة تستحق العناية والعلاج. . . فإن انصراف الناس عن غذاء العقل نكبة كبرى لأمة في طريق التحضر. . . وما قيمة التعليم في أمة إذن، إذا كانت نتيجته تخريج زبائن للمشارب لا للمكاتب؟! إن أبقى درس وأهم كسب للطالب في المدرسة، ليس في تلك المعلومات المحددة لأنها ستنسى حتماً بعد حين، ولكنهما في غرس ملكة المطالعة التي ستلازمه في كل حين. . . لا خير ولا نفع في أرقى المدارس والجامعات إذا خرج منها الطلاب يلعنون كتبهم ويختمون على رءوسهم. . . بينما الطالب الذي ينشأ فيه حب المطالعة والاطلاع تنشأ في نفس الوقت جامعة كبرى نفسه، تزوده بالمعارف المتجددة طوال أيام حياته. . . ذلك واجب المدرسة الأول: تعلمنا حب القراءة. . . وتمرن عضلاتنا الفكرية على هضم أغذية العقل. . . ثم تدفعنا إلى الحياة نزدرد ثمرات الذهن. . .

قالت العصا: حقا. . . إن الإنسان يولد زبونا بالفطرة لعصير الليمون. . . ولكنه لابد أن يعد إعدادا ليصير زبونا لعصير الذهن!)

هذا هو الحوار البديع الذي دار منذ أيام على صفحات (أخبار اليوم) بين صديقنا الفنان الكبير الأستاذ توفيق الحكيم وبين عصاه. . . وأزمة القراء التي شغلت قلم الصديق فأجرت مداده بهذه الكلمات الطافحة بالمرارة والفياضة بالأسف، مشكلة عرضنا لها بالأمس على صفحات الرسالة محددين أسبابها الأصلية ودوافعها الطبيعية، معبرين عن مظاهر الأسف والمرارة كما استشعرها الأستاذ الحكيم!

ولا نذكر أننا التقينا مرة - توفيق الحكيم وأنا - إلا وعرجنا على هذه المشكلة وخصصناها بأكثر ما ينقضي بيننا من وقت وأغلب ما يدور بيننا من حديث. . . إنها مشكلة من مشكلات الساعة بلا جدال: جيل ينصرف عن القراءة المفيدة إلى فنون من اللهو والعبث لا تنفع ولا تفيد، ويضيق بعصارة الفكر التي تطفئ ظمأ العقل وترطب جفاف القلب ليقبل على كل ما من شأنه أن يذبل نضارة العقول ويغلق منافذ القلوب. . . هذا الجيل ماذا حدث

<<  <  ج:
ص:  >  >>