يأكل فيها سوى المخلل: وفي ذكره كلمة (تبا) ما يدل على حالة نفسية خاصة. أما البيت الأول فهو دعاء للكنافة بالسقيا بماء الورد والسكر. هو يدعو لها لأنه يحبها فهو في دعائه يعبر عن شعور داخلي نستشف منه الجوع والحرمان.
وكان الفقراء من الشعراء يستهدون الكنافة من الأعيان والموسرين بشعر فيه إلحاح كبير ودعابة مضحكة وفكاهة مطربة.
فمن ذلك قول الشاعر المتقدم وهو
أيا شرف الدين الذي فيض جوده ... براحته قد أخجل الغيت والبحرا
لئن أمحلت أرض الكنافة إنني ... لأرجولها من سحب راحتك القطرا
فعجل بها جوداً فمالي حاجة ... سواها نباتا فا يثمر الحمد والشكرا
والظاهر أن هذا الصنف من الطعام كان له عند هؤلاء الشعراء المحرومين مكانة لا تدانى. فالشاعر هنا يمهد لطلبه بوصف الممدوح بالكرم ثم يشكو فقره واشتياقه إلى الكنافة. وفي البيت الأخير تتجلى نفسية هذا الشاعر المسكين، فهو يريد من الممدوح أن يعجل بإهدائه الكنافة. وقد خشي أن يعطيه شيئاً سواها وهو لا يريد غيرها. لذلك قال بان الكنافة وحدها هي التي تستوجب عنده جزيل الشكر وعظيم الثناء.
وكان الشعراء يتغزلون في الكنافة ويصفون محاسنها وجمالها ويتمنون دوام وصالها ويتألمون لهجرها وفراقها ويشكون من صدها وإعراضها. ونحن نقرأ ما قالوا في هذا الموضوع فنضحك، ومثال ذلك قول الجزار المتقدم وهو:
ومالي أرى وجه الكنافة مغضبا ... ولولا رضاها لم أرد رمضانها
عجبت لها من رقة كيف أظهرت ... على جفا قد صد عني جفائها
ترى اتهمتني بالقطايف فاغتدت ... تصد اعتقادا أن قلبي خانها
ومذ قاطعتني ما سمعت كلامها ... لأن لساني لم يخالط لسانها
ألا خبروها أنني وحياتها ... ومن صانها في كل در وزانها
ليقبح أني أجعل الحشو مذهبي ... فأفسد شأني حين يصلح شأنها
فالشاعر هنا يصور لنا افتقاره إلى هذا الصنف من الأطعمة في صورة مضحكة. فقد شخص الكنافة وهي معرضة عنه، هاجرة له ثم تساءل عن السر في هذه القطيعة وذلك