الإعراض أكان ذلك لأنها اتهمته بحب القطايف والجري من ورائها فاعتبرته خائناً غادراً مجرداً من الوفاء؟ ثم أخذ ينفي عن نفسه هذه التهمة ويتبرأ منها. ويذكر أنه باق على عهده في حبه وإخلاصه لها. وأنه لا يفسد هذا الحب بوصل القطايف. وفي البيت الأخير تورية لطيفة في كلمة (الحشو) فهي بمعنى التشبيه والتجسيم والنسبة إليها (حشوى) وهو الذي ينتمي إلى طائفة (الحشوية) المعروفة وهي تشير في نفس الوقت إلى القطايف لأنها تحشى بالفستق والزبيب وغيره.
وهذا شاعر يتألم ويشكو لأنه لم يذق طعم الكنافة ولم ترها عينه إلا عند البياع في الدكان. قال:
ما رأت عيني الكنافة إلا ... عند بياعها على الدكان
فما أتعس هذا الشاعر المسكين! وما أحوجه إلى العطف والرثاء!
وشاعر آخر يذكر ليالي الكنافة الخالدة في عمره بالخير فيقول:
ولم أنس ليلات الكنافة، قطرها ... هو الحلو إلا أنه السحب الغر
تجود على كفي فأهتز فرحة ... كما انتفض العصفور بلله القطر
فهذه الليالي التي نعم الشاعر فيها يأكل الكنافة اللذيذة باقية في ذاكرته ولن تفارقه مادام حيا. ففي تلك الليالي السعيدة في نظره كان حينما يمسك الكنافة بيده يكاد يجن من شدة الفرح ويهتز من فرط السرور كما يهتز العصفور الذي يبلله القطر.
وأنظر إلى قول هذا الشاعر.
إليك اشتياقي يا كنافة زائد ... فمالي عنى عنك؛ كلا ولا صبر
فما زلت أكلي كل يوم وليلة ... ولا زال منهلا بجرعائك القطر
فهذا تقديس للكنافة ليس بعده تقديس، ونوع من العبادة لهذا الصنف من الطعام، فالشاعر يعبر عن شوقه الذي لا حد له للكنافة ويذكر أنه لا يطيق فراقها ولا يستطيع عنها صبراً. فهي قبلته التي يتوجه إليها في الغدو والآصال لا يصرفه عنها طعام آخر ولا يلهيه عنها شيء مهما جل وعظم.
ومن الشعراء من وازن بينها وبين القطايف وفضل الكنافة عليها. ومنهم من أظهر الكنافة بمظهر الساخر من القطايف المحتقر لها. ومثال ذلك قول ابن عنين: