أستطيع أن أعد أسامة بهذه النظرة إلى الحياة متفائلا، إذ هو عند الشدة واثق من زوالها، وإن كان الأمر على ذلك، فلا معنى لليأس، ولا خير فيه:
يا آلف الهم لا تقنط فأيأس ما ... تكون يأتيك لطف الله بالفرج
ثق بالذي يسمع النجوى، وينجي من البلوى ... ويستنقذ الغرقى من اللجج
وإذا كان كل شئ في هذه الحياة إلى انقضاء، فمن الواجب ألا يدع المرء فرصة السعادة تمر، من غير أن يأخذ منها بالنصيب الأوفى:
وتغنم اللذات إن ممرها ... مر السحائب
وأوحت إليه تجاربه في الحياة أن القرب من السلطان غير مأمون العواقب، ولا شهي الثمرة، فنادي بالبعد عنه، وإيثار العيش في خمول وهدوء:
أرض الخمول، تعش به في نجوة ... مما تخاف، ومن معاندة العد
أما الحياة في جوار ذوي السلطان ففي خطر دائم ثم، وقلق لا يهدأ:
لا تقربن باب سلطان، وأن ملأت ... هباته غير ممنون بها، الطرق
فإن أبوابهم كالبحر راكبه ... مروع القلب يخشى دهره القلب
وأسامة ممن يؤمنون بالقضاء والقدر، ويدين بالحظ ويرى الرزق مقسوما لا حيلة في تدبيره:
فوض الأمر راضيا ... جف بالكائن القلم
ليس في الرزق حيلة ... إنما الرزق بالقسم
دل رزق الضعيف وه ... وكلحم على وضيم
وافتقار القوى تر ... هبه الأسد في الأجم
أن للخلق خالقا ... لا مرد لما حكم
ولكن الناس جشعون، يتكالبون على الحياة، ولا يزهدون فيها إلا متكلفين مكرهين.
وافرد أسامة في ديوانه بابا للرثاء، خص جزءا كبيرا منه برثاء ولدهأبيبكر عتيق، وكان قد وصفه بين أترابه قائلا:
عتيق كالهلال، إذا تبدى ... لساري الليل من تحت الغيم
تقول إذا به الأتراب حفوا: ... أهذا البدر ما بين النجم