وأكاد ألمس في تشبيهه بالهلال يبدو لساري الليل، أنه كان أملا لأبيه، طالما تمناه ليكون رفيقا لولده الآخر مرهف، في جرم كان لموته لذعة ألم في قلبه، أمضته، فمضى إلى شعر يشكو إليه وقدة الحزن، ولا سيما أنه نكب به وقد قارب الثمانين من العمر، لا أمل عنده في خلف يأتي به.
وأسامة يحدثنا عن شغل فؤاده الدائم بابنه الراحل فيقول
كيف أنساك يا أبا بكر أم كيف ... أصطباري، ما عنك صبري جميل
أنت حيث اتجهت في أسودي عي ... ني، وقلبي ممثل، لا تزول
ويصف لنا انصرافه بعد زيارة قبره، يملأ قلبه الأسى والشجن:
أزور قبرك والأشجان تمنعني ... أن أهتدي لطريقي حين أنصرف
فما أرى غير أحجار منضدة ... قد احتوتك، ومأوى الدرة الصدف
فأنثني، لست أدري أين منقلبي ... كأنني حائر في الليل معتسف
وقد أثار فيه هذا الحادث المؤلم ذكرى من مضى من أهله، فأخذ يندبهم، ويتوجع لمصيرهم، بل أثار فيه الألم لحياته القلقة المشردة التي لا تأوي إلى الوطن:
رمتني في عشر الثمانين نكبة ... من الثكل يودي حملها من له عشر
علي حين أفنى الدهر قومي، ولم تزل ... لهم ذروة العلياء والعدد الدثر
فلم يبقى إلا ذكرهم وتأسفي ... عليهم، ولن يبقى التأسف والذكر
وأصبحت لا آل يلبون دعوتي ... ولا وطن آوى إليه ولا وفر
كأني من غير التراب، فليس لي ... من الأرض ذات العرض دون الورى شبر
ولكن أسامة ينتهي بالتسليم للقدر، ما دام ذلك مصير الأحياء أجمعين، وإن الدنيا كلها، ما دام ذلك عقبى أمرها، لا تستحق عناء طلبها، ولا التعب في جمع ما يخرج المرء منها وهو صفر اليدين.
ليس في غزل أسامة هذه الحرارة القوية التي تشعرنا بقلب دلهه الحب، وأضنته لوعة الغرام، ولا أكاد أتبين له إحساسا تفرد به، أو لمحات أمتاز بها، وليس معنى ذلك أنه لم يذق الحب. بل أرجح أنه ذاقه، وإن كان لم يشغل قلبه كله. وقد استعار أسامة تشبيهات الأقدمين وأساليبهم في وصف عواطف الحب. ومما يلحظ على غزله أنه شاك حزين، لا تكاد تلمح