حين غفلة مني فأردت أن أكفر عنها فأرسلتكم إلى المدرسة لأرى فيكم الرجولة والسمو والتفوق، ولأنأى بكم عن دفعات الغيرة المضطرمة في صدر زوجتي، وها أنتم قد بلغتم الغاية التي كنت أصبو إليها، فهل تراني غسلت عن نفسي درنها؟)
فقلت أنت في رقة (وهل كان لنا، يا أبي، أن نجحد فضلك أو ننكر أبوتك؟ هذا أمر كان ثم مسحه عطفك الفياض ومحته أبوتك السامية)
قال (ولكنه طالما أقض مضجعي وأزعج نفسي)
قلت (هون عليك، فهذه الذكرى التافهة تزيد من وطأة المرض. أما نحن فلم نجد لذع الحادثة منذ أن أحسسنا عطفك وحنانك)
قال وقد هده الإعياء والجهد (رضيت، يا بني، رضيت)
وحين هوى أبوك تحت ضربات المرض القاسية تشبثت به وتشبث هو بك، واختلطت عبرة بعبرة وخفق قلب لقلب وتعانقت زفرة وزفرة ثم أسلم أبوك الروح بين يديك وأنت تعانقه في شوق وتبكي في مرارة. تعانقه وتبكي في غير شجاعة ولا صبر.