١٩٠٣. ثم دخل مجلس الشيوخ. وتبوأ بوانكاريه مركزه في الزعامة السياسية؛ كما تبوأ مركزه في الزعامة الأدبية؛ وكان إلى جانب مقدرته السياسية كاتباً ممتازاً؛ يلفت الأنظار بروعة كتاباته السياسية والأدبية. وفي سنة ١٩٠٦ تولى وزارة المالية مرة أخرى. وفي سنة ١٩٠٩ توجت زعامته الأدبية بانتخابه عضواً في الأكاديمية الفرنسية. وفي يناير سنة ١٩١٢ ألف بوانكاريه وزارته الأولى خلفاً لوزارة كايو المستقيلة، وتولى إلى جانب الرياسة وزارة الخارجية. وهنا بدرت بوادر الأزمات الدولية التي مهدت إلى الحرب الكبرى، فأبدى بوانكاريه خلال هذه العواصف قوة ومقدرة، وظهرت قوة وسائله بالأخص في مسألة مراكش حيث استطاع أن يرغم السلطان على الاعتراف بالحماية الفرنسية، وظهرت ميول بوانكاريه العسكرية واضحة في عنايته بمسألة التسليحات، ومضاعفة قوى فرنسا البحرية. وفي سنة ١٩١٣ أنتخب بوانكاريه رئيسا للجمهورية الفرنسية خلفاً للرئيس فاليير؛ وأستدعى ارستيد بريان لرياسة الوزارة. وكانت أوربا تسير يومئذ إلى الأزمة الكبرى بخطى سريعة؛ وكان بوانكاريه يسهر على ثمار سياسته، وعلى المحالفات التي انتهت إليها. وفي يوليه سنة ١٩١٤ كان بوانكاريه إلى جانب نيقولا الثاني قيصر روسيا في بطرسبرج؛ وكانت بواعث هذه الزيارة ظاهرة واضحة، وهي تمكين التحالف الروسي الفرنسي ضد ألمانيا والنمسا والمجر، وتنظيم الخطط للمعركة القادمة
ولما عاد بوانكاريه إلى فرنسا كانت الأزمة قد وصلت ذروتها ولاح شبح الحرب جلياً في الأفق. وكتب بوانكاريه بهذه المناسبة إلى جورج الخامس ملك إنجلترا خطاباً أشتهر بقوة منطقه وبيانه. ثم كانت الحرب؛ فكان بوانكاريه رجل الموقف؛ وأبدى خلال هذه الأعوام العصيبة كثيراً من الحزم والقوة والبراعة في تدبير شؤون الحرب ومعالجة المشكلات الخطيرة التي كانت تثيرها، واستطاع أن يقف البرلمان عند حده وأن يحمي الجيش من نفوذه وأن يرد حملاته عن الحكومة، وأن يقضي على التنافس الحزبي وآثاره في سير الأمور. ولم يحجم في سنة ١٩١٧ عن استدعاء خصمه القديم جورج كليمنصو إلى تولي الحكم، فكان موفقاً في اختياره، وكان كليمنصو وزارة النصر النهائي
وهنا نقطة خطيرة يجب أن نشير إليها تلك هي موقف بوانكاريه الحقيقي إزاء الحرب الكبرى ومبلغ مسئوليته في العمل لأثارتها. وقد أثارت مسئولية الحرب منذ عقد الصلح