للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كثيراً من البحث والجدل، وألقى عليها كثير من الضوء سواء من الوثائق الرسمية المختلفة التي نشرت، أو تصريحات أقطاب السياسية الأوربية الذين اتصلوا بمقدماتها. وقد ظهر منها جميعاً أن رايمون بوانكاريه يحمل في إثارة الحرب الكبرى أكبر التبعات وأنه كان مت العاملين لها قبل نشوبها بأعوام؛ وظهر بالأخص من الوثائق التي نشرها مسيو أزفولسكي سفير روسيا في باريس قبيل الحرب، أن بوانكاريه كان دائب العمل بالتفاهم مع القيصر على تنظيم الخطط لإذكاء الأزمة، وأن زيارته للقيصر في يوليه سنة ١٩١٤ لم تكن إلا لأحكام خطط العمل والدفاع في الحرب المنشودة. وهذه نقطة خطيرة تثقل كاهل بوانكاريه بلا ريب، ولم يوفق هو قط إلى دحضها رغم كل ما قال وكل ما كتب.

وانتهت رياسة بوانكاريه للجمهورية في سنة ١٩٢٠، وخلفه مسيو دي شانل الذي لم تطل رياسته سوى أشهر؛ وعاد إلى مجلس الشيوخ، وإلى العمل في المحاماة والصحافة، وفي يناير سنة ١٩٢٢، ألف بوانكاريه وزارته الثانية، وتولى وزارة الخارجية، وكان الجدل يشتد يومئذ بين فرنسا وألمانيا حول تنفيذ شروط معاهدة الصلح وأداء التعويضات المفروضة على ألمانيا؛ وكان بوانكاريه يرى منذ البداية أن تذل ألمانيا، وتسحق حتى النهاية، وكان من أشد خصوم الهدنة ووقف الحرب، وكان يرى مع فوش أنه يجب مطاردة الجيش الألماني حتى عاصمة بلاده، وجعل الرين حداً لألمانيا؛ فلما بدأت ألمانيا في التذمر من شروط الصلح، ومن أداء التعويضات، رأى بوانكاريه الفرصة سانحة للعمل، فقرر احتلال الروهر في أوائل سنة ١٩٢٣ تنفيذاً للعقوبات التي نصت عليها المعاهدة في حالة التخلف عن التنفيذ، وكان هذا الأجراء من أشنع الأخطاء التي ارتكبتها السياسة الفرنسية؛ ولم يقف إلى جانب فرنسا فيه سوى بلجيكا؛ وانتهى إلى عكس المقصود منه إذ أثار في ألمانيا روح السخط والمقاومة، وفقدت فرنسا من جرائه كثيراً من العطف، وظهرت فيه بمظهر التحامل والتحرش؛ وفقد بوانكاريه أيضاً كثيراً من ثقة مواطنيه وتقديرهم؛ وظهر ذلك جلياً في انتخابات سنة ١٩٢٤ حيث فاز فيها خصومه ومعارضوه واضطر إلى الاستقالة؛ وتتابعت من بعده عدة وزارات ضعيفة كانت تسحقها الأزمة المالية وأزمة الفرنك بنوع خاص. ولما تفاقم خطب الفرنك وكادت فرنسا تنكب بكارثة مالية شنيعة دعي الرجل القوي (بونكاريه) إلى الحكم مرة أخرى في يوليه سنة ١٩٢٦، فلبى الدعوى؛ واستطاعت

<<  <  ج:
ص:  >  >>