وزارته بما اتخذت من التدابير السريعة القوية أن تجتنب الكارثة وأن ترد إلى الفرنك ثباته، وأستمر بوانكاريه في الرياسة إلى سنة ١٩٢٩، ثم استقال لأسباب صحية، وتفرغ إلى كتابة مذكراته التي بدأ بإخراجها قبل ذلك بأعوام تحت عنوان (في خدمة فرنسا) وفيها يبسط مراحل حياته السياسية، وما اضطلع به من الأزمات السياسية قبل الحرب وفي أثنائها، وما بذله من جهود لإحراز النصر. وكان بوانكاريه أثناء اعتزاله الحكم يكتب في الصحف فصولاً سياسية قوية، واشتهرت منها بالأخص سلسلة مقالات يكتبها تحت عنوان (الوعاء المتكسر)، وفيها يندد دائماً بسياسة الضعف نحو ألمانيا؛ وكما أن بوانكاريه كان يعرب في سياسته عن عميق تعصبه القومي، فكذلك تطبع كتاباته مثل هذه النزعة القومية العميقة، وهو ينحو في ذلك نحو مواطنه الكاتب اللوريني الأشهر موريس باريس الذي أشتهر بعنف حملاته على ألمانيا، وتحريضه على سحق العنصر الجرماني؛ ولبوانكاريه آثار أدبية وتاريخية أخرى، وله في المحاماة مواقف مشهورة، وقد وصل أثناء العمل بها إلى أرفع ما يطمح إليه محام، وأنتخب نقيباً للمحامين، ورفع بذلك إلى صف أعلام الفصاحة القضائية، كما رفع من قبل إلى ذروة المجد السياسي.
وقد لبثت السياسة الفرنسية مشربة بروح الأثرة والقومية العميقة، الذي عمل لإذكائه رجال مثل فوش وبوانكاريه وكليمنصو؛ ثم تطورت منذ سنة ١٩٢٦، أي منذ اشتد ساعد الاشتراكيين والاشتراكيين الراديكاليين، وقويت الدعوة إلى السلام والتضامن الدولي، وتولى ارستيد بريان توجيه السياسة الخارجية الفرنسية، ولاح مدى حين أن التفاهم ممكن بين أعداء الأمس، وأن سلام العالم يمكن تحقيقه بالمواثيق والمعاهدات الصريحة، ولكن بريان توفى بعد أن ازور نجمه؛ ثم قامت الاشتراكية الوطنية في ألمانيا، وعادت موجة التطرف الهتلري توجه النذير إلى فرنسا؛ فعادت فرنسا إلى سياستها القومية المتطرفة، وظهر بوانكاريه لمواطنيه مرة أخرى بأنه في دعوته إلى هذه السياسة، أبعد نظراً من الوجهة العملية، من أولئك الذين ينشدون السلام بالتفاهم والحسنى.
وقد كان لوي بارتو من تلاميذ هذه المدرسة السياسية المغرقة في القومية، وكان مثل صديقه وزميله بوانكاريه يؤمن بسياسة القوة والتحالف العسكري. وكان مولده في بيارن من أعمال فرنسا الجنوبية سنة ١٨٦٢، ودرس الحقوق أيضاً ثم انتظم في سلك المحاماة، تلك