للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ظهريا

في الشعر الجاهلي جمال، وهو أيضاً لا يخلو من هنات؛ وفيه روعة، وإن كنا لا نبرئه من العيب، ومع ذلك فإننا نستطيع أن ندرس المذهب الفني الذي يمثله الشعر الجاهلي، وأن نتعرف خصائصه وعناصره لنرى إلى أي حد يصح أن نجاري هؤلاء وهؤلاء من النقاد والمتعصبين على الشعر الجاهلي القديم، وإلى أي مدى يصح أن نسير في الدفاع عنه؛ فذلك اقرب إلى العدالة الأدبية في البحث والمناقشة.

أول ما نعرفه من خصائص الشعر الجاهلي البساطة والصدن والوضوح وعدم التكلف أو الإغراق في الأداء. وهذا شيء يسلمه النقاد للشعر الجاهلي تسليما، ويجزمون به؛ وهو ما يدفعنا إلى الإعجاب به واللذة الفنية حين نقرؤه ونستمع إليه، ولا يمكن أن يكون في ذلك ما يدعو إلى التهوين من شأنه، فالجمال أو أحد أسبابه لا يدعو إلا إلى الإعجاب والحب والمتعة. بل إن هذه الميزة الواضحة في الشعر الجاهلي هي نفس ما يدعو إليه نقادنا المحدثون ودعاة التجديد في الأدب العربي الحديث؛ (بعد أن أبعدوا المحدثون الشعر عن البساطة والإخلاص، وهما الصفتان اللتان كانتا حسناً له) كما يقول الدكتور ضيف.

ويمتاز الشعر الجاهلي أيضاً بالزهد في المحسنات وألوان التزيين الفني؛ وهذه سمة عالية عليه. وأدباؤنا المحدثون لا يزالون يدعون إلى هذا المذهب، ولقد كان الشعر المصري الحديث في أول نهضته مثقلاً بقيود الزخرف البديعي الموروث عن العصر التركي والعثماني وأواخر العصر العباسي، إلى أن أثر النقاد على ذلك المنهج ودعوا إلى الخلاص من آثاره، حتى برئ الشعر الحديث من عاهته، وسار طليقا إلى غاياته. وقد ظهرت في الآدب الأوربية أيضاً صبغة الزخرف الفني في العصور الوسطى، كما حدث في الأدب الفرنسي في أعقاب عهد لويس الرابع عشر، وفي الأدب الإنجليزي بعد عصر اليصابات. أفنقول بعد ذلك إن الشعر الجاهلي يعاب لهذه الحسنة الظاهرة، ويزدري لذلك الفضل الظاهر؟

ومن خصائص الشعر الجاهلي متانة الأسلوب وقوته وجزالته وأسره؛ وللبيئة البدوية أثر بعيد في ذلك، وقد سار المحدثون في العصر العباسي على هذا النهج حيناً، وحيناً آخر أغرقوا في العذوبة والسلامة والسهولة إلى ورثوا بعضها عن العصر الأموي ومدرسة

<<  <  ج:
ص:  >  >>