فيه الأغصان، وتذبل الأزاهير، وتخلو الأرض من النبات، ولذلك يقولون للرجل إذا بلغ أقصى العمر أنه في خريف الحياة، ويقصدون من ذلك أن ما كان فيه من شباب وقوة ذهب ولكن الشاعر السوداني الذي يصدر عن عاطفة منساقة مع شعور قومه ومعبرة عما يختلج في حياتهم من خضب ونماء لا يستطيع أن يعبر عن الخريف إلا أنه شباب الزمن وفصل الحياة والنمو. كما عبرت عنه الشاعرة البدوية السودانية فجعلت فيه (الطبيعة الصامتة) والجمال الحبيب. فهذا السحاب يحثم في الشرق مؤذنا الأرض بعودة شبابها الأخضر. أو هو قد آذنها أمس وقبله، ويؤذنها الليلة بواكف مدرار. وتلك هي دجاجة الوادي ترجع كعادتها في الخريف إلى بيضها تحتضنه لتهب له الحرارة والدفء، ونقيق الضفادع يعلو في المشارع والمناهل، وأولاد الإبل تعدو مسرعات خلف أمهاتها فرحا بالخريف واستبشاراً به) وهذا في الحق تصوير رقيق لمظاهر الخريف ومباهجه التي تسري في الإنسان والحيوان على السواء.
ولسنا نعني من شعر الطبيعة أن يقول الشعراء - فقط - في المناظر الطبيعية التي تتراءى لهم في بلادهم، ولكنا نقصد أن تكون عواطفهم واتجاهاتهم مطبوعة بطابع هذه المناظر فنجد تشبيهاتهم وتخيلاتهم مستمدة من حياتهم؛ ولست تقضي العجب من هذا الشاعر الذي يتنقل بين (دادي هور) و (وادي كتم) و (صحراء العتمور) و (حدائق المقرن) ثم لا يذكر في شعره ألا ألبان والعلم والخيف من منى ووادي العقيق.
والشعر السوداني شعران: شعر الخاصة: والشعر القومي. والنظر الفاحص في شعر الخاصة يهدينا إلى أنه كغيره من شعر الأمم الشرقية مشدود إلى الشعر العربي بأربطة وثيقة ولا تكاد تجد له استقلالاً عنه. وإذا كان الشعر في بعض البلدان تحلل من تقليد الشعر العربي القديم فإنه لا يزال في السودان حفياً به مقتفياً أثره، متتبعاً خطواته، فالشعراء يبدون قصائدهم بالغزل كما كان يفعل القدماء ويقفون على الأطلال والدمن، ويستوقفون الأصحاب كما وقف القدماء واستوقفوا. . . وهكذا
وبطبيعة الحال لا تعدم في هذا الشعر الكثير الشاعر الصادق والشعر المصور فقد يصف الشاعر رحلته على الناقة، كما وصف القدماء، ويقف على الأطلال كما وقفوا، وهو مع ذلك صادق لأنه؛ مر بهذه التجارب الشعورية، وعاش فيها حيناً من الزمن فهذا الشاعر