السوداني حين رحل إلى وادي هور (وهو أسم واد غرب السودان، وحوله من الآثار ما يدل على أنه كان مثوى حضارة قديمة) رحل على ناقة لقي معها من عنت السفر أو مشقة الطريق ما لقي ولا شك أنه حين وقف على هذه الآثار فاضت عبراته. وتدفق شعوره، فصور ما وقع له، لم يقلد فيه غيره، ولم يصدر عن غير عاطفة، وهذا ما عرفناه من تاريخ حياته قال يذكر حبيبه:
لم أنسه إذ زارني ... منه خيال ما أستقر
زار الرحال وبيننا ... سير على البيد عسر
إيجاف شهر للمطى ... تخوض في كثب عفر
وسرى ليال لم تذق ... طعم الكرى حتى السحر
سبحان ربي أمين وا ... دي النيل من دادي هور
وادي الجحاجحة الالي ... عمروه في خالي العصر
وعواصم القلوم الذ ... ين بذكرهم تحلو السير
زرت الربوع فخانني ... صبري لذكرى من غبر
ما كان لي كبدا لسلو ... ولا فؤاد من حجر
بخل الجفون على ثرى الغا ... دين من إحدى الكبر
وهذا الشاعر معرم بوصف بلاده، وقد قال في كثير منها، وأشبه شعره بالشعر العربي قصيدته في (مليط) وهي مركز من مراكز درافور؛ ولا نتهمه في شعوره بل إننا نقول أنه مع هذا النهج القديم صادق الشعور.
حياك مليط صوب العارض الغادي ... وجادوا ديك ذا الجنات من وادي
أنسيتني برح آلامي وما أخذت ... منا المطايا بإيجاف وإيخاد
كثبانك العفر ما أبهى مناظرها ... أنس لدى وحشة رزق لمرتاد
فباسق النخل ملء الطرف يلثم من ... ذيل السحاب بلا كد وإجهاد
وأعين الماء تجري من جداولها ... صوارما عرضوها غير إغماد
والورق تهتف والأظلال وارفة ... والريح ترفع ميادا لمياد
وقد نجد الشعراء المحدثين يتجهون اتجاهاً قومياً وإن كان بعضهم ترك الأفق الشرقي