للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عامة، واتجه بعواطفه وميوله وشعره إلى أفق آخر لا يستقيم معه أدبنا. وعندي أن الأدب كالدين، فمن ترك ديننا فقد كفر بالله من ترك أدبنا فقد كفر بالوطن. وهؤلاء الشعراء المحدثون ينظمون - أحيانا. . في مناظر بلادهم. وللشاعر التيجاني يوسف قصيدة في جزيرة (توني) وهي جزيرة تقع بين الخرطوم وأم درمان خصيبة التربة. طيبة الهواء، وصفها الشاعر فأجاد، ومن قوله فيها:

يادرة حضها النيل ... واحتواها البر

صحا الدجى وتغـ ... شاك في الأسرة فجر

وطاف حولك ركب ... من الكراكي أغر

وراح ينفض عينيه من ... بني الأيك حر

فماج بالأيك عش ... وقام في العش دبر

كم ذا تمازح فن ... على يديك وسحر

يخور ثور وتثغو ... شاة وينهق حمر

وألبهم تمرح والزر ... ع مونق مخضر

تجاوب اللحن والط ... حن والثغاء المسر

وهب صوت النواعير ... وهو في الشجو مر

وكلها - وهي طويلة - على هذا النحو من التصوير الناطق والتعبير البسيط.

أما الأدب القومي فهو صورة صحيحة للحياة السودانية الطبيعية، ففيه الأحاديث الطوال عن السحائب الغر، التي تجود عليه بالمطر، وعن الأشجار الباسقة من سرح وسدر وجميز، وعن ضفاف النيل. وموارد الغدران والأودية، وعن الأطيار الساجعة فوق أغصانها؛ والظباء النافرة في فتن الجبال والغابات. ولنكشف هنا بمثال واحد يصور لنا أوائل الخريف وكيف أستقبله الناس والأنعام وكيف اهتزت به الأرض وربت. سأل أحد السجناء من أهل البطانة شاعرهم الحردلو عن أخبار مسقط رأسه وملعب صباه. وكان الحردلو شاعراً بدوياً مجيداً وله في الأدب القومي شأن أي شأن (وسنفرده ببحث خاص إن شاء الله) فأجاب صاحبه قائلا:

الخبر الجا قالوا البطانة أرشت ... وسارية تجود حتى الصباح ما أنفشت

<<  <  ج:
ص:  >  >>