قليل من الوقت حتى أصبح اسمه ملء السمع والبصر في المدينة، وسارع إلى صداقته أكبر البيوتات وأرقاها في فلورنسا، وخاصة من كان عندهم فتيات يرغبون في تزويجهن ويطعمونه في الجاه العريض والثروة الطائلة.
وسرعان ما وقع اختيار (رودريجو) على الآنسة (أوتستا) ابنة السيد (أمريجو دوناتي) من كبار أغنياء فلورنسا وأعيانها ومن أحسن الأسر وأطيبها وأرفعها نسباً. ولكن الدنيا قد أدبرت عنه ولم يبق له من ثروته إلا حطام قليل يظهره أمام الناس بالمظهر الكريم.
وتمت مراسيم الزواج في حفل عظيم من الأبهة والبذخ، قل أن تجد له مثيلا. . .
ولم يمض على زواج (رودريجو) شعر العسل بين أحضان عروسه حتى هام بها حباً وأصبح حبه لها جنونيا فلا يطيق أن يراها ضجرة أو بها سأم. حتى صار ذلك المارد الجبار، عبداً ذليلاً لها وأصبحت نزواتها أوامر لابد من طاعتها، ورغباتها أحكاماً مقدسة لا مفر من الخضوع لها، فوقف ذلك الشيطان المريد نفسه وماله وراحته على إسعادها وإدخال السرور على نفسها.
لم تكن (أونستا) امرأة ككل النساء، بل كانت شيطانة في صورة امرأة ذات نزوات طائشة لا حد لها وحيل غريبة لا تنفد، وكلما رأت من زوجها هياماً بها شطت في طلباتها وغالت في رغباتها. . . فأخذت تقيم الحفلات والمآدب ببذخ كبير وإسراف زائد بحجة الترفيه عن نفسها، وهي في الحقيقة تتخذ ذلك وسيلة لتهيئة الجو لزواج شقيقتها كما احتالت على ذلك الزوج المسكين حتى أهدى لكل من شقيقتيها مبلغاً كبيراً من المال ليغري شباب فلورنسا بالزواج منهما. ولم تكتف بذلك بل أجبرته على أن يمد يد المساعدة لأشقائها ليبدءوا حياتهم العملية في التجارة. وهذا غير مصاريفها الخاصة بالثياب التي لا حد لها.
كما كانت فظة غليظة القلب في معاملة الخدم حتى أن جميع الخدم رفضوا البقاء عندها وفيهم بعض أبالسة جهنم الذين جاءوا ليرقبوا أعمال (رودريجو) في حياته الزوجية، فقد فضلوا العودة إلى الجحيم الذي يعد نعيماً بالنسبة للبقاء مع هذه الشيطانة التي قهرتهم وغلبتهم على أمرهم.
وكان الزوج المسكين لا يجد في نفسه الجرأة على مخالفة أوامرها وإشاراتها، فإذا تجرأ على ذلك ولو عن طريق الكياسة واللطف، لجأت إلى سلاحها الناعم، فسارعت إلى الدموع