ويبدو أننا قفزنا إلى موضوعنا مرة واحدة بربطنا بين الإذاعة وحياة المشتغلين بها من جهة، وبينها وحاجة المجتمع إليها من جهة أخرى. والواجب يقضي بان تتعرف إلى طبعة الإذاعة نفسها ن وما تحمل من عناصر وجودها التي تلتقي مع هذين العنصرين: النفسي منهما والاجتماعي. وعندنا أن هذا الفن وقد دفعت إلى ظهوره الصورة الملحة والرغبة في الاتصال بجموع الناس، فإن طبيعته قد تحددت وسط زوابع الفنون الأخرى التي وجد المجتمع أنها لا تفي بحاجته في التعبير عن حياته - وحياته الإذاعية بالذات.
والحياة الإذاعية التي نقصدها هي التي تحدد طبيعة الإذاعة نفسها. وتتمثل في شعور المجتمع بان فيه وفي نفوس أفراده أشياء مكبوته، وظيفة الإذاعة هي الإفضاء بها بمعنى إفراغ مضمونها ورفع الحجاب عنها. وهذه حقيقة لها سند من التاريخ - الحقيقي لهذا الفن. والإذاعة لم تبرز إلى الوجود إلا بعد أن ظهرت نظريات العقل الباطن وروجت المدرسة النفسية لفكرة الكبت ونادت بضرورة التنفس وقدمت التحليل النفسي كعلاج. والظاهرة الإذاعية في حقيقتها قريبة من جوهر الاعترافات التي يطلقها المريض أمام المحلل النفساني.
وليس معنى هذا أن كل ما يذاع أمام الميكرفون اعترافات سيكوباثولوجية، بل في عملية إفضاء أو إفراغ نفسية لما يدور داخل النفس، وتصوير هذا العالم بالأصوات المعبرة. أو على الأقل هذا ما يجب أن يكون عليه شكل الإذاعات والطريقة التي يجب أن تذاع بها حتى تكون الإذاعة حديث نفس إلى نفس يربح كلتا النفسين من الدفين بها. وبهذه الطريقة وحدها تحقق الإذاعة وظيفتها وقدرتها الكاملة على التأثير في الفرد والجماعة. وتؤكد وجودها كفن قائم بذاته له طبيعته وخصائصه المنفصلة عن بقية الفنون.
ولا نريد أن نذهب بعيداً في التدليل على صحة نظريتنا، ونكتفي بان نقول إن وظيفة الإذاعة قريبة من وظيفة المسرح والسينما. وانهما إذا كانا يقومان بتطهير العواطف.
بشكل ما فإن الإذاعة تحقق هذه بشكل أوسع لأن الرغبة في الإفضاء طبيعية في نفس كل منا للكبت اللاحق بها. هذا الكبت الذي يحول دون أن يخلص كل ذاته مما يريد الإفضاء به. وحتى إذا استطاع أن يتغلب عليه فإنه تعوزه القدرة على التعبير - وهذا ما يحققه المذيع أو ما يجب أن يقوم بتحقيقه مهما كانت مادة الحديث الذي يقدمه - فإذا كان بحثا