للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بين المستمع والمذيع، ويبقى المستمع مدينا للمذيع يما يقدمه من شرح وتفسير، كما سيظل المذيع مدينا للمستمع بتقبله لما يقول.

وإذا كانت الإذاعة تخاطب في الإنسان حاسة واحدة هي السمع، وتتجه الفنون الأخرى إلى مخاطبة أكثر من واحدة، فإن المستمع أو المستمعة يجلسان بعيدين عن كل تأثير فني مصطنع: فأنت لا تستطيع أن تتذوق لوحة فنية إلا إذا صحبها جو فني معين، ولا نستطيع أن تستمتع بقراءة كتاب إلا إذا كنت في عزلة تامة، ولا أن نشاهد فيلما إلا في ظلام دامس، ولا مسرحية إلا بين جماعة من الناس - أما في الإذاعة فإن تستطيع أن تستمع بها على أية صورة وعلى أي وضع تكون عليه. وقد يكشف لنا هذا عن فردية الإذاعة، ولكنه يكشف لنا كذلك عن وظيفة الإذاعة في الحياة، وهي ضرورة بعث الروح الجماعية في المستمعين، لا تأكيد هذه الروح الفردية. ومن هنا كان على رجل الإذاعة الذي يريد أن يؤثر في مستمعيه تأثيرا مباشراٍٍ، أن يدرس نفسية الجمهور ويحاول قتل هذه الروح الفردية. وإذا حرك نفوسهم فلكي يدفعهم إلى عمل حي يفيدهم ويفيد مجتمعهم وهذا هو الجانب الخلاق الحي في عمل رجل الإذاعة. فإذا اجزنا له أن يسلبهم فليكن قصده التخفيف عنهم، وجعلهم اكثر استعدادا وقبولا للحياة. فالإذاعية الناجحة قلما تفشل في إعطاء المستمع قصة أو فكرة أو عاطفة أو عملا، يظل معه طول الحياة، يتردد في أذنه، وتردده جوانب نفسه. وذلك لا يتم إلا حينما تكتمل لها العناصر العضوية المتوفرة في الكائن الحي.

وبهذا وحده تكون الإذاعة: (فن وثقافة وحياة)

يوسف الحطاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>