استخدمه العصر الحديث في نفير السيارة وصفارة الإنذار لينذر الناس أقوى تنبيه، في أقصر وقت، وبأقل جهد مؤكداً بذلك أن الصوت قادر على إبلاغ رسالته إلى ابعد حد، دون اعترافه بحوائل الزمان والمكان، أو وقوف عند الحدود الضيقة التي تقف عندها كلمات اللغة أو نغمات الموسيقى التي نستخدمها الآن.
ولو وفقت الإذاعة إلى استخدام الصوت بهذه الطريقة لالتزمت وسيلتها الحقيقية، وضمنت عدم انصراف الناس عنها ولما حدث لها مثل الذي حدث للسينما من انصراف الجمهور عنها حينما خرجت على وسيلتها التي تتمثل في الصورة. والناس على جهة في انصرافهم، لأن الفنون حين تثور على حدودها تفقد فنيتها
وإذا كنا نقيس الفن بمقدار تأثيره في الناس، وعدد من يحركهم، وطول الزمن الذي يظل تأثيره فيهم، فقد رأينا الصوت كانت له القوة على تحريك الناس في كل زمان وحضارة نحو الهدف الذي يريده مذيع الصوت، وسيظل كذا والشكوى من انصراف الجمهور عن سماع الإذاعة، النقد المتواصل لها، يحبهما حسن استخدام الصوت لأنه كفيل بحمل الجمهور الاستماع أليها، وتوجهه نحو الهدف الذي نريده له.
ومهما قيل من نقد لرأينا فيكفي للرد أن المستمع لا يعرف لصاحب الإذاعة تعرضاً مباشرا - كما هي الحال في الحياة - أنه يستمع إلى صوته أو أصوات الشخصيات التي يقدمها من عن طريق هذا الكائن الجديد الذي يوصل إليه مادة الإذاعة وتأثير هذا في المستمع يختلف كل الاختلاف عما لو استطاع مباشرة دون وساطة. ومثل هذا النقد لا يصدر إلا عن ناقد يعيش حاضره، ويتقبل الشكل الحالي للإذاعة دون استقراء لتاريخها الذي يحدده ويضع معالمه الصوت وحده حتى ليقال: مرحلة ما قبل الكلام، ومرحلة الكلام، ومرحلة ما بعد الكلام وكل نقاد الإذاعة العليمين يجمعون على أن الكلمة الملفوظة غير الكلمة المكتوبة، وان الإذاعية الكلامية اقل الإذاعيات تأثيرا. وان في التأثيرات الصوتية عوضا عن التأثير الكلامي. ولندرك أن ذاكرة الأذن للصوت أقوى من ذاكرة العين للتأثيرات البصرية. ولهذا السبب فإن قدرة كبيرة على التحريك العميق لمجموعات الناس، والتأثيرات التي تخلقها فيهم تظل طويلا معهم بل كثيرا ما تصبح جزءاً من كيانهم وثقافتهم. وحتى إذا أنعدم عنصر الكلام منها - وهذا ما لا ننادي به تماما. وستظل الإذاعة مشتملة على حوار ضمني