للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيحول بينها وبين السراد المجرد، وهو في ذلك كالمصور البارع يوزع اللون في نواحي الصورة في دقة ليضفي معاني الحياة والحركة

وليس أدل على ذلك مما جاء في قصة (كل عام وانتم بخير) حين تحدث المؤلف عن رجل ذرف على الأربعين من سني حياته، عاش عازبا يعكف على جمع الثروة ويأبى أن يبددها في التافه أو أن يبذرها في مالا غناء فيه، فيحدث نفسه قائلا (هي ثروة أسهر فيها جفني فسقيتها جهدي وتعهدتها بحيلتي. . . أأترك هذه الثروة نهبة لأولئك الحقدة والحساد من أقاربي الطامعين؟) ثم يصوره رحيم يفزع عن الزواج وما في ذهنه إلا الحرص على المادة) إلا أن عقلي ينهاني عن أن أرضى بهذا الزواج الذي يهدد ثروتي ويشفي بها إلى الخطر. . وهل الزواج إلا نفقات إثر نفقات، تستنزف الأموال وتهدد الثروات؟)

غير أنه يرى نفسه وحيداً منبوذا فيبدوا أمام القارئ في عزوبته رجلا ضائعاً مضطرب النفس يعيش في تيه من خواطره. ولا عجب إن كان العذب - في هذه القصة كما هو في الحياة تماماً - قلقاً لا ينعم بالهدوء ولا يسكن إلى الراحة. وأنى له أن يفعل وإن روحه لتفتقد القرار والأمان فهي تهفو إلى شئ، عمي عليه وتنزع إلى أمر أغلق علية فيطير - بعد لأي - إلى الزوجة.

وفي قصة (صراع في الظلام) نرى الضمير الحي يغفو حيناً حين تستهويه شيطانة من الأنس هي زوجة الأب الشابة فتنشر شباكها حوالي ابن زوجها الشاب فما يقر لها قرار ولا تطيب لها نفس إلا حين يقع في غرامها فيهوي إلى قاع الخطيئة والدنس. ثم يستيقظ الضمير بعد فترة فيغص الرجل بالزلة فينطلق يريد أن يكفر عن حماقته وغفلته بطريقة شيطانية مرذولة، يؤمن بان لا معدي له عنها، فيحرق الدار التي شب فيها وترعرع دار أبيه وهو يردد في صوت كأنه هذيان محموم (لا تقربوا الباب. دعوا الدار تأكلها النار). لقد حاول الفتى جهده أن يفر من الخطيئة لأن ضميره كان قد هيمن وطال أمده) فيفزع إلى الغدير ناظرا ً في صفحة تحت ضوء الكواكب فيتجلى له وجهه أمامه تكسوه اللحية المهندمة، فيلمس أطرافها بأنامله، ثم يريد أن يقتلع تلك اللحية من جذورها لا يبقى ولا يذر) ثم يحس الرجل العار في ما اقترف من جريمة وضيعة، فتستحيل حاله وينطوي على نفسه) وقد أتخذ لنفسه حياة طابعها عزلة الناس، فهو يتجنب مرآهم ما وسعه أن يتجنب،

<<  <  ج:
ص:  >  >>