تفسير أية (ويعبدون من دون الله مالا يملك لهم رزقا)
وسألناه عن موضع لفظ (شيئاً) من الآية الكريمة (ويعبدون من دون الله مالا يملك لهم رزقاً من السموات والأرض - شيئاً - ولا يستطيعون) من سورة النحل فأجاب رحمه الله:
أما تفسير الآية التي سألت عنها فقد راجعت التفاسير أول من أمس فلم أر فيها ما يقنع. والذي ظهر لي أن (شيئاً) في الآية بدل (من رزقاً) وهذا الإعراب نبه إليه المفسرون وجعلوه ضعيفاً مع أن فيه كل القوة، لأن المراد من الآية أن هؤلاء (يعبدون من دون الله مالا يملك لهم زرقا من السموات والأرض) وهنا يعترض هؤلاء أنفسهم بأنهم يعتقدون أن معبوداتهم تلك ذلك وإلا فلم عبدوها؟ فجاءت لفظة (شيئاً) لبيان أن كل ذلك وهم وتخيل وضلال إذ لا معنى للرزق إلا إذا كان (شيئاً) لا وهم فقط، ولا شيء ترزقه هذه المعبودات من السموات والأرض فإذا كانت لا ترزق شيئا على الاطلاق، فهي على الإطلاق ليست شيئاً إلا ما توهموه منها، وهذا كالذي توهموه فيها فالأمر فيهم وفيها كله وهم وضلال، ولهذا جاء بعد ذلك (ولا يستطيعون) وعبر هنا بضمير الجمع والعاقل، مع أن أول الآية (مالا يملك) فدلت الكلمة الأخيرة على أن المراد أن هؤلاء العابدين ومعبوداتهم كالأوهام المحضة، لا هي تستطيع أن ترزقهم شيئاً كائنا ما كان من السموات والأرض أي ولو ذرة، ولا هم يستطيعون أن يجعلوهن قادرة على شيء من ذلك.
(فشيئاً) هذه معجزة الآية كلها، ويستحيل أن ينتبه إليها عقل بشري ويجيء بها في هذا الموضع. وتكون النتيجة التي ترمي إليها الآية بهذا التعبير: أن المعبود الحق هو القوة الأزلية المالكة للإيجاد المطلق، أي الواحد الأحد وهو الله لا غيره وما عدا ذلك فهو من اختراع أوهام الناس؛ موجود في الوهم معدوم في الواقع والمعنى. أليست هذه الكلمة الواحدة (شيئاً) تستحق أن يسجل لها أهل البلاغة يا أبا رية؟
أنقل هذا التفسير وأرسله في ورقة على حدة لنضعه مع مذكرات أسرار الإعجاز فإن هذه الكلمة التي تظهر كالزائدة في الآية، هي سر الآية كلها، وهذا كله كالإعجاز من الإعجاز (واكتب لي هذه العبارة أيضاً في ورقة التفسير