وفي سنة ١٩٢٤ كتب ونستون تشرشل متنبئاً بأن العنصر البشري إذا لم يستفد من الفضيلة مقدراً إياها حق قدرها ولم يحظ بقيادة أرشد. . . فإنه بذلك قد وضع في يديه للمرة الأولى الآلات التي بها يستطيع أن يستأصل شأفة نفسه.
وفي هذا العمل الانتحاري الآخذة فيه المدنية الآن، ليست علة النكبة تدمير العلم المبتدع - وإن بدا هذا التنميق البلاغي مثيراً للدهش - ولكنه خسران روحي وخلقي مبين.
وهناك أشياء لا بد أن يرفع من قدرها إذا أرادت المدنية أن تبقى؛ القيم الخلقية أعني إحياء تقدير القوانين الخلقية السرمدية وإيجاد ثقافة روحية موحدة مؤسسة على فلسفة الحياة والإيمان المتصل بها ويدعم كل ذلك المبادئ الأخلاقية لأن ذلك سوف يضفي على الحياة معنى وغرضاً.
وكان الجيل الذي درجت فيه - معتقداً في الآلية والتقدم الحتمي - موسوماً بطابع التفاؤل العريض الذي لم يسبق له مثيل في التاريخ، فقد كما نرى أنفسنا راقين فوق معراج سماوي أردنا أم لم نرد حتى (يصبح الإنسان، ليس ملكا فقط بل رئيس ملائكة) كما كتب صمويل بتلر.
ولكنا اليوم يواجه إحدى الأزمات الجد عصبية في التاريخ مع أن الإنسان لا يبدى أية دلائل على أنه سوف يكون رئيس ملائكة، وبين كل ذلك هذه الحقيقة: إن حل مشكلتنا لا يكمن في سيطرتنا على الناحية المادية كمونه في سيطرتنا على الناحية الروحية.
وحينئذ فلن نضع الروحية أولا، رغم أنه من الواجب أن تكون أولا إذا أردنا أن نحيا، بل علينا أن نعمل ما ندعوه تكون أولا (بالتربية على نطاق واسع) دون الإشارة إليها؛ وأن ندفع بمثل هذه المبادئ الأخلاقية والاعتقادات الدينية كما ندفع شهوة في حياتنا الخاصة مع أن القوانين الخلقية السرمدية والحقائق الكلية لم تنطبق على الحاجة الماسة للعالم أجمع.
إن عيوناً كثيرة مازالت مركزة على سيطرة الإنسان على المادة، وجميع الآلات النافعة التي سوف يكون لها أثر نتيجة لمواجهتنا مشاكل ما بعد الحرب المرعبة، مع أن ذلك لا يعني ضرب أوربا لنيويورك بقنابل تسير كأنها البشر، وما شابه ذلك من المروعات التي لا حد لها، ما لم تسد الإنسان المبادئ الأخلاقية والحقائق الدينية التي يخلص لها.
وينبغي أن تكون النازية معلمنا ومبصرنا في هذه النقطة، فلم يكن على الأرض من أمة